ومن عظائم الجرائم أن يفعل الإنسان ذنبا خطأ بلا قصد أو مع علمه بأنه ذنب ، ثم يتهم به شخصا بريئا ، فهذا هو البهتان أي افتراء الكذب ، ويكون مرتكبا جريمتين : كسبه الإثم الذي يجعله آثما ، ورميه البريء الذي يصفه بأنه باهت.
ثم أبان الله تعالى حمايته لنبيه فقال : ولو لا فضل الله عليك ورحمته أي عصمته وألطافه وما أوحى إليك من الاطلاع على سرهم ، لهمت طائفة من بني ظفر أن يصرفوك عن القضاء بالحق وتوخي طريق العدل ، مع علمهم بأن الجاني هو صاحبهم.
أي لو لا فضل الله عليك بالنبوة ، والتأييد بالعصمة ، ورحمته لك ، ببيان حقيقة الواقع ، لهمت طائفة منهم أن يصرفوك عن الحكم العادل ، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل ، إذ جاءك الوحي ببيان الحق.
وهم في الحقيقة بانحرافهم عن طريق الحق والاستقامة لا يضلون إلا أنفسهم ؛ لأن الوزر عليهم فقط ووباله ملحق بهم ، وهم لا يضرونك شيئا ؛ لأنك عملت بظاهر الحال ، وما كان يخطر ببالك أن الحقيقة على خلاف ذلك ، والله يعصمك من الناس ومن اتباع الهوى في الحكم بينهم ومن كل مكروه.
والله أنزل عليك الكتاب أي القرآن ، والحكمة أي فقه مقاصد الشريعة وفهم أسرارها ، وعلمك من الكتاب والشريعة ، وإفهام الحقائق ما لم تكن تعلم قبل ذلك من خفيات الأمور ، وضمائر القلوب ، وأمور الدين والشريعة.
وكان فضل الله عليك عظيما ؛ إذ أرسلك للناس كافة ، وجعلك خاتم النبيين ، وشهيدا عليهم يوم القيامة ، وعصمك من الناس ، وجعل أمتك أمة وسطا عدولا ، فاشكر الله على ذلك ، ولتشكر أمتك تلك النعم ، حتى تكون خير أمة أخرجت للناس ، وقدوة حسنة للآخرين.