العقلية بالقصص الواقعية ، ويتهيأ السامع والقارئ للاستفادة من عبرها وعظاتها ، فيلين قلبه ، وترق نفسه ، وتخشع جوارحه لذكر الله ويرهب عذابه للعصاة ، ويعلم أن المؤمن يخرج من الدنيا مع الثناء الجميل فيها ، والثواب الجزيل في الآخرة ، وأن الكافر يخرج من الدنيا مع اللعن فيها ، والعقاب في الآخرة.
وهي دليل على صدق نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، لإخباره عن تلك القصص من غير مطالعة كتب ، ولا مدارسة مع معلم ، ولا تلمذة لأحد ، وهي معجزة عظيمة تدل على النبوة ، كما قال تعالى : (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى ، وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ..) [يوسف ١٢ / ١١١] (١).
التفسير والبيان :
لما أخبر الله تعالى عن الأنبياء وما جرى لهم مع أممهم ، وكيف أهلك الكافرين ، ونجى المؤمنين قال : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى) أي ذلك النبأ المذكور بعض أنباء القرى المهلكة مقصوص عليك يا محمد ، لتخبر به الناس ، ويتلوه المؤمنون إلى يوم القيامة تبليغا عنك. وقوله (ذلِكَ) إشارة إلى الغائب ، والمراد به هنا الإشارة إلى القصص المتقدمة ، وهي حاضرة ، كما في قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة ٢ / ٢].
من تلك القرى ما له أثر باق كالزرع القائم على ساقه ، كقوم صالح ، ومنها ما عفا أثره ودرس حتى لم يعد له أثر كالزرع المحصود ، مثل قرى قوم لوط.
وما ظلمناهم بإهلاكهم من غير ذنب ، ولكن ظلموا أنفسهم بتكذيبهم رسلنا وكفرهم بهم ، وشركهم وإفسادهم في الأرض ، وثقتهم أن آلهتهم المزعومة تدفع عنهم
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٨ / ٥٥