أيضا بقوم موسى الذين اختلفوا في التوراة ، بين مؤمن وكافر ، فعاقبهم الله وجازاهم بسوء أعمالهم. وهو يدل على أن سيرة الكفار الفاسدة مع كل الأنبياء واحدة ، فكما أنكر كفار مكة التوحيد ، أنكروا أيضا نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وكذبوا بكتابه ، شأنهم في ذلك شأن وعادة الكفار من قبلهم.
التفسير والبيان :
والله لقد آتينا موسى الكتاب الذي هو التوراة ، فاختلف فيه بنو إسرائيل من بعده ، ظلما وبغيا ، وتنازعا على الزعامة والمصالح المادية ، فآمن به قوم وكفر به آخرون ، مع أن الكتاب نزل لتوحيد الكلمة وجمع الناس على منهج واحد ، فلا تبال يا محمد باختلاف قومك في القرآن ، فلك بمن سلف من الأنبياء قبلك أسوة ، فلا تجزع لتكذيبهم.
ولو لا كلمة من ربك أي لولا سبق القضاء والقدر بتأخير العذاب إلى أجل مسمى ، لقضي بينهم في الدنيا ، بإهلاك العصاة ، وإنجاء المؤمنين ، كما حدث لأمم آخرين.
وإن المكذبين لفي شك موقع في الريبة والقلق ، والظاهر عود الضمير في قوله : (وَإِنَّهُمْ) وقوله : (بَيْنَهُمْ) على قوم موسى عليهالسلام ؛ إذ هم المختلفون في الكتاب ، الشاكون في التوراة ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) [الشورى ٤٢ / ١٤] والذين أورثوا الكتاب : هم اليهود والنصارى ، والتوراة قد فقدت مع إحراق البابليين لهيكل سليمان ، وقيل : يعود الضمير على المختلفين في الرسول من معاصريه. قال ابن عطية : وأن يعمهم اللفظ أحسن عندي. وهذه الجملة من جملة تسليته صلىاللهعليهوسلم (١).
__________________
(١) البحر المحيط لأبي حيان : ٥ / ٢٦٦