(أُولُوا بَقِيَّةٍ) كما جاز الرّفع في قوله تعالى : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) [يونس ١٠ / ٩٨] وإن كان استثناء منقطعا ، وهي لغة بني تميم.
(وَاتَّبَعَ) عطف على مضمر دلّ عليه الكلام ؛ إذ المعنى : فلم ينهوا عن الفساد ، واتّبع الذين ظلموا.
(وَكانُوا مُجْرِمِينَ) عطف على (اتَّبَعَ) أو جملة اعتراضية.
(بِظُلْمٍ) حال من الفاعل ، أي واستحال في الحكمة أن يهلك الله القرى ظالما لها.
المفردات اللغوية :
(فَلَوْ لا فَلَوْ لا) : للتّحضيض والحثّ على الفعل ، أي فهلا كان. (مِنَ الْقُرُونِ) جمع قرن ، وهو الجيل من الناس المقترنون في زمن واحد ، وشاع تقديره بمئة سنة. (أُولُوا بَقِيَّةٍ) أولو عقل ورأي وبصر بالأمور ، أو أولو فضل ، والأصل في البقية : ما يبقى من الشيء بعد ذهاب أكثره ، واستعمل كثيرا في الباقي الأصلح ؛ لإنفاق الأردأ عادة وإبقاء الأجود ، وتلك قاعدة بقاء الأصلح ، ومنه يقال : فلان من بقيّة القوم ، أي من خيارهم. ويجوز أن يكون مصدرا كالتّقية ، أي ذوو إبقاء على أنفسهم وصيانة لها من العذاب.
(ما أُتْرِفُوا فِيهِ) أي ما أنعموا فيه من الشهوات. (وَكانُوا مُجْرِمِينَ) أي كافرين ، وهو سبب استئصال الأمم ، وهو فشو الظلم فيهم ، واتّباعهم الهوى ، وترك النّهي عن المنكرات مع الكفر. (بِظُلْمٍ) بشرك. (وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) فيما بينهم ، لا يضمون إلى شركهم فسادا وتباغيا ، وذلك لفرط رحمة الله ومسامحته في حقوقه ، ولذلك قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد على حقوق الله تعالى.
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) مسلمين كلّهم ، وهو دليل ظاهر على أن الأمر غير الإرادة ، وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كلّ أحد ، وأن ما أراده يجب وقوعه. (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) بعضهم على الحق ، وبعضهم على الباطل ، لا تكاد تجد اثنين يتفقان مطلقا. (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) إلا أناسا هداهم الله من فضله ، فاتّفقوا على ما هو أصول دين الحقّ والعمدة فيه. (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) : إن كان الضمير للناس ، فالإشارة إلى الاختلاف ، واللام للعاقبة ، أي الصّيرورة ، أو أن الضّمير يعود للنّاس وإلى الرّحمة. وإن كان الضّمير يعود لمن رحم ، فإلى الرّحمة.
(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) وعيده وقضاؤه وأمره. (مِنَ الْجِنَّةِ) الجنّ ، سمّوا بهذا لاستتارهم. وقوله تعالى : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) أي من عصاتهما. (أَجْمَعِينَ) صفة للعصاة ، أو منهما أجمعين لا من أحدهما.