ونظير الآية قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ، ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ، ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام ٦ / ٣٨] ، وقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها ، وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ ، وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام ٦ / ٥٩].
وبعد أن أثبت تعالى بالدليل المتقدم كونه عالما بالمعلومات ، أثبت بكونه خالقا السموات والأرض كونه تعالى قادرا على كل المقدورات ، وفي الحقيقة كل واحد من هذين الدليلين يدل على كمال علم الله وعلى كمال قدرته ، فقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ..).
أي أنه تعالى يخبر عن قدرته على كل شيء ، وأنه خلق أو أبدع وكوّن السموات والأرض في ستة أيام من أيام الله في الخلق والتكوين ، لا كأيامنا الحالية ، وهو الظاهر بدليل قوله تعالى : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج ٢٢ / ٤٧] وقوله : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج ٧٠ / ٤]. ويقدر علماء الفلك اليوم من أيام التكوين بألوف الألوف من سنوات الدنيا.
(وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) العرش : أعظم المخلوقات ، ولا نعلم حقيقته وإنما نؤمن به كما أخبر عنه تعالى ، وأما استواؤه عليه ، فالاستواء معلوم والكيف مجهول ، كما روي عن أم سلمة رضياللهعنها ومالك وربيعة. وهذه الآية تدل على كيفية بدء الخلق قبل أن يخلق الله السموات والأرض ، وعلى أن العرش والماء كانا قبل السموات والأرض ، وأن العرش كان قبل أن يخلق شيئا ، وأن ما تحت العرش هو الماء أصل المادة الحية ، كما قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً ، فَفَتَقْناهُما ، وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ، أَفَلا يُؤْمِنُونَ)