من الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم أو لعبهم ، لقلة اهتمامهم به ، وكأنه لقنهم الحجة ، وشدة الحذر دفعته لقول ذلك.
فأجابوه في الحال : والله لئن أكله الذئب ، ونحن جماعة أشداء ندافع عن الحرمات ، لكنا خاسرين ، أي هالكين عاجزين لا خير فينا ولا نفع.
ثم بدؤوا تنفيذ المؤامرة بالفعل ، فلما ذهبوا به من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك ، صمموا على مرادهم ، وعزموا عزما لا تردد فيه على إلقائه في قعر بئر وأسفله ، وهو البئر المعروف لديهم ، ليذهب حيث شاء ، أو يهلك ، فيستريحوا منه.
ولكنّ الله تعالى ذا القدرة الشاملة ، والإرادة النافذة ، والرحمة واللطف ، وإنزاله اليسر بعد العسر ، والفرج بعد الكرب ، أوحى إليه وحي إلهام على الأظهر ، مثل قوله : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [النحل ١٦ / ٦٨] وقوله : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) [القصص ٢٨ / ٧] تطمينا لقلبه وتثبيتا له ألا تحزن مما أنت فيه ، فإن لك فرجا ومخرجا ، وسينصرك الله عليهم ، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع السيء ، وهم لا يعرفون ولا يشعرون بأنك يوسف. وهو وعد بالخلاص من هذه المحنة ، والنصر عليهم ، وصيرورتهم تحت سلطانه.
ثم جاء دور الاعتذار بالأعذار الكاذبة لأبيهم يعقوب عليهالسلام ، فحينما رجعوا إليه في آخر اليوم وقت العشاء في ظلمة الليل ، أخذوا يتباكون ويظهرون الأسف والجزع على يوسف ، وقالوا معتذرين عما زعموا : إنا ذهبنا نتسابق ونترامى بالنبال ، وتركنا يوسف عند ثيابنا وأمتعتنا ، حارسا لها ، فأكله الذئب ، وهذا الذي كان قد جزع منه وحذر عليه ، ونحن نعلم أنك لا تصدقنا ـ والحالة هذه ـ لو كنا صادقين موثوقين عندك ، فكيف وأنت تتهمنا في ذلك؟! وأنت معذور في هذا لغرابة ما وقع ، وعجيب ما حدث. والحاصل أنا