ذلك على أن تجملت له ، ودعته لمخالطتها ، وتمحلت لمواقعته إياها ، وأحكمت إغلاق الأبواب عليه قيل : كانت سبعة ، وقالت : هيت لك ، أي هلمّ أقبل وبادر ، وتهيأت لك ، وزيدت كلمة (لَكَ) لبيان المخاطب ، مثل : سقيا لك ورعيا لك. وهذا أسلوب في غاية الاحتشام.
فامتنع من ذلك أشد الامتناع ، وقال : أعوذ بالله معاذا ، وألتجئ إليه وأعتصم به مما
تريدين مني ، فهو يعيذني أن أكون من الجاهلين (إِنَّهُ) (الضمير للشأن والحديث) ربي أي سيدي ومالكي (قطفير) (أَحْسَنَ مَثْوايَ) أي منزلي ومقامي وأحسن إلي ، حين قال لك : أكرمي مثواه فلا أقابله بالخيانة ، وإتيان الفاحشة في أهله ، إنه لا يفلح الظالمون الذين يجازون الإحسان بالإساءة ، أو لا يظفر الظالمون بمطالبهم ، ومنهم الخائنون المجازون الإحسان بالسوء.
ولقد همّت بالانتقام منه والتنكيل به ، لعصيانه أمرها ، وعدم نزوله عند رغبتها ، ومخالفته مرادها ، وهي سيدته وهو عبدها ، أو همت بمخالطته.
(وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) كثر كلام الناس وتعليقاتهم حول معنى هذه الآية ، والأمر فيها سهل يسير ، لا يصح تفسير كلمة (وَهَمَّ بِها) وحدها دون بقية الجملة ، وإذا فسرت الجملة مع بعضها ، تبين أنه لم يهمّ بها قط ؛ لأن رؤية برهان ربه قد منعه من ذلك ، بدليل أن (لَوْ لا) حرف امتناع لوجود وجوابها محذوف دائما ، وتقديره : لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها ولخالطها ؛ لأن قوله : (وَهَمَّ بِها) يدل عليه ، كقولك : (هممت بقتله لولا أني خفت الله) معناه : (لولا أني خفت الله لقتلته) ففي الكلام تقديم وتأخير ، أي لولا أن رأى برهان ربه لهم بها.
ثم إن المراد بالهم : خطرات حديث النفس ، والميل إلى المخالفة بحكم الطبيعة