(وَقُلْنَ : حاشَ لِلَّهِ) تنزيها لله من صفات العجز ، وتعجبا من قدرته على خلق مثله. (ما هذا بَشَراً) أي ما يوسف من جنس البشر ؛ لأن هذا الجمال غير معهود للبشر. (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) ما هذا إلا ملك ، لما حواه من الحسن الفائق ، جاء في الحديث : «أنه أعطي شطر الحسن» أو لما جمع الله له من الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة التي هي من خواص الملائكة.
(قالَتْ) امرأة العزيز ، لما رأت ما حل بهن : (فَذلِكُنَ) أي فهذا هو. (الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) أي فهو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتنني في حبه والافتتان به قبل تصوره حق التصور ، ولو تصورتنه بما عائنتن لعذرتنني ، والمراد بيان عذرها. (فَاسْتَعْصَمَ) امتنع امتناعا شديدا ، مأخوذ من العصمة وهي المنع من الوقوع في المعصية. (ما آمُرُهُ) به. (مِنَ الصَّاغِرِينَ) الذليلين المهانين ، فقلن له : أطع مولاتك. (أَصْبُ إِلَيْهِنَ) أمل إليهن وأوافقهن على أهوائهن. (وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) وأصر من المذنبين ، والقصد بذلك الدعاء.
(فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ) دعاءه. (السَّمِيعُ) للقول ودعاء الملتجئ إليه. (الْعَلِيمُ) بالفعل والأحوال وما يصلحهم. (بَدا) ظهر لهم رأي جديد ، وهو أن يسجنوه. الآيات الشواهد الدالة على براءة يوسف. (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) أي ليدخلنه السجن إلى زمن ، ينقطع فيه كلام الناس ، فسجن سبع سنين أو خمس سنين. والحين : الوقت غير المحدود من الزمن.
المناسبة :
بعد أن أبان الله تعالى محنة يوسف مع امرأة العزيز ، ونجاته من تلك المحنة وقناعة زوجها ببراءته بناء على شهادة حكم شاهد من أقاربها بما رأى ، أورد تعالى ما تمخضت عنه المحنة والمحاولة من نتائج طبيعية هي انتشار الخبر وشيوعه في مصر ، ومحاولة امرأة العزيز تبرئة ساحتها أمام النساء بمكيدة محكمة وخطة مدروسة ، واعترافها أمامهن بأنها التي راودته عن نفسه ، فامتنع ، وأنها ما تزال مصرة مصممة على ما تريد ، وإلا أودع في قيعان السجون ، وتم اتخاذ القرار بالسجن ، وآثره يوسف ابتغاء مرضاة الله ، بل دعا إليه ربه ، فسجن سبع سنين أو خمس سنين.