الأولى ـ أن كثرة الآلهة توجب الخلل والفساد في هذا العالم ، وهو المراد بقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء ٢١ / ٢٢] فكثرة الآلهة توجب الفساد والخلل والتنازع والصراع ، أما توحيد الإله فيقتضي حصول النظام وحسن الترتيب.
الثانية ـ أن هذه الأصنام ونحوها من البشر والكواكب معمولة لا عاملة ومقهورة لا قاهرة.
الثالثة ـ أن كونه تعالى واحدا يوجب عبادته ؛ لأنه لو كان له ثان ، لم نعلم من الذي خلقنا ورزقنا ودفع الشرور والآفات عنا ، فيقع الشك في أنا نعبد هذا أم ذاك. وهذا دليل على فساد القول بعبادة الأوثان ؛ لأنها على فرض كونها نافعة ضارة لا نعلم حصول النفع ودفع الضرر من هذا الصنم ، أو من ذاك ، أو بالتعاون والاشتراك ، فلا يعرف المستحق للعبادة ، هو هذا أم ذاك.
الرابعة ـ لو فرض أن هذه الأصنام تنفع وتضر ، على ما يزعم أصحاب الطلاسم ، فإن ذلك في وقت مخصوص وواقعة مخصوصة ، والإله تعالى قادر على جميع المقدورات في كل الأوقات ، فكان الاشتغال بعبادته أولى.
الخامسة ـ إن اتصاف الإله بصفة (الْقَهَّارُ) يقتضي ألا يقهره أحد سواه ، وأن يكون هو قهارا لكل ما سواه ، وهذا يقتضي أن يكون الإله واجب الوجود لذاته ؛ إذ لو كان ممكنا لكان مقهورا لا قاهرا ، ويجب أن يكون واحدا لا متعددا ، إذ لو تعدد لما كان قاهرا لكل ما سواه ، فالإله لا يكون قهارا إلا إذا كان واجبا لذاته وكان واحدا ، وهذا لا ينطبق على الأفلاك والكواكب والنور والظلمة والطبيعة ونحوها من الآلهة المزعومة.
١١ ـ يستحسن للعالم إذا استفتاه أحد الجهال والفساق أن يقدم الهداية والإرشاد والموعظة والنصيحة أولا ، ويدعوه إلى ما هو أولى به وأوجب عليه مما استفتى فيه ثم يفتيه بعد ذلك.