(وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما) أي من الفتيين وهو الساقي (وَادَّكَرَ) أي تذكر يوسف ، وفيه أبدل التاء في الأصل دالا ، ثم أدغم في الدال أصله «اذتكر» (بَعْدَ أُمَّةٍ) أي تذكر يوسف بعد طائفة من الزمن مجتمعة أي مدة. (فَأَرْسِلُونِ) إلى من عنده علم أو إلى السجن ، فأتى يوسف.
(يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) أي يا يوسف الكثير الصدق أو المبالغ في الصدق ؛ لأنه جرب أحواله ، وعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه (إِلَى النَّاسِ) أي إلى الملك وأصحابه أو إلى أهل البلد ؛ إذ قيل : إن السجن لم يكن فيه (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) تأويلها أو فضلك ومكانك ، وإنما لم يبت الكلام فيهما ؛ لأنه لم يكن جازما من الرجوع.
(تَزْرَعُونَ) ازرعوا (دَأَباً) متتابعة ، على عادتكم المستمرة ، وهي تأويل السبع السمان (فَذَرُوهُ) اتركوه وادخروه (فِي سُنْبُلِهِ) لئلا يفسد أو يسوس (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) في تلك السنين ، فادرسوه.
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي بعد السبع المخصبات (سَبْعٌ شِدادٌ) مجدبات صعاب ، وهي تأويل السبع العجاف (يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَ) أي يأكل أهلهن ما ادخرتم لأجلهن ، فأسند إلى السنين على المجاز تطبيقا بين المعبر والمعبر به (مِمَّا تُحْصِنُونَ) تحرزون وتدخرون للبذر (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي السبع المجدبات (عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) بالمطر من الغوث والإغاثة من القحط (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) الأعناب وغيرها لخصوبته. وهذه بشارة ، بعد أن أوّل البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة ، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ، وابتلاع العجاف السمان بأكل ما جمع في السنين المخصبة في السنين المجدبة ، ولعله علم ذلك بالوحي ، أو بما جرت به السنة الإلهية على أن يوسع على عباده ، بعد ما ضيق عليهم.
المناسبة :
بعد أن ذكر الله تعالى تأويل يوسف رؤيا صاحبيه في السجن ، ذكر تأويل رؤيا ملك مصر الذي كان من ملوك العرب المعروفين بالرعاة (الهكسوس) بعد أن أعلن الكهنة والعلماء وأهل الرأي عجزهم عن تأويلها ، وقالوا : أضغاث أحلام ، فكان هذا سببا في اتصال يوسف بالملك.
التفسير والبيان :
هذه رؤيا ملك مصر التي قدر الله أن تكون سببا لخروج يوسف عليهالسلام من السجن معززا مكرما ، والقصة أن الملك هالته هذه الرؤيا وتعجب من