ثم قال الله تعالى بعد هذا التّحدي : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ ..) أي فإن لم يأتوا بمعارضة ما دعوتموهم إليه ، فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك ، وأن القرآن نزل من عند الله ، وبما لا يعلمه إلا الله من نظم معجز للخلق ، وإخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه ، وتشريع بأمره ونهيه لا يبلغون مستواه. وجاء ضمير (لَكُمْ) بصيغة الجمع ؛ لأنه خطاب للرّسولصلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين ، والمراد أن الكفار إن لم يستجيبوا لكم في الإتيان بالمعارضة ، فاعلموا أنما أنزل بعلم الله تعالى.
واعلموا أنه لا إله موجود ومعبود بحقّ إلا الله عزوجل.
فهل أنتم بعد قيام الحجة القاطعة على أنه ، أي القرآن ، من عند الله مسلمون ، مؤمنون بالله وبهذا القرآن ، وبما تضمنه من عقائد ووعد ووعيد وأخلاق وآداب ونظام شامل
للحياة؟ وهذا يدلّ على أن الخطاب للكفار ، فإن كان الخطاب للمسلمين فمعناه : فهل أنتم مخلصون؟
ومعنى هذا أنه بعد ظهور الدّليل القاطع على صدق النّبي صلىاللهعليهوسلم وصدق القرآن ، يكون كفرهم مجرد عناد وإعراض واستكبار.
فقه الحياة أو الأحكام :
أرشدت الآيات إلى ما يأتي :
١ ـ وجوب تبليغ الوحي بكامله دون إنقاص أو إرجاء شيء منه ، ولا يتنافى هذا الحكم مع مبدأ عصمة الرّسول صلىاللهعليهوسلم عن الخيانة في الوحي والتّنزيل ، وترك بعض ما يوحى إليه ، وهذا كقوله تعالى في تأكيد الأمر بإبلاغ الوحي : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [المائدة ٥ / ٦٧].
وهذا الحكم لا يختلف سواء قلنا : إن معنى الكلام في آية (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ ..) الاستفهام الإنكاري ؛ أي هل أنت تارك ما فيه سبّ آلهتهم كما