ثم أكّد الله تعالى مهمّة نبيّه فقال : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ ...) أي ليس عليك إلا إنذارهم بما أوحي إليك ، غير مبال بما يقولون ، ولا آت بما يقترحون ، ولك أسوة بإخوانك من الرّسل قبلك ، فإنهم كذّبوا وأوذوا ، فصبروا حتى أتاهم نصر الله عزوجل ، والله هو الرّقيب على عباده ، الحفيظ للأمور ، فتوكّل عليه ، ولا تبال بهم ، فإنه عالم بحالهم ، ومجازيهم على أعمالهم. وهذا كقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ، وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [البقرة ٢ / ٢٧٢] ، وقوله تعالى : (فَذَكِّرْ ، إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية ٨٨ / ٢١ ـ ٢٢] ، وقوله تعالى : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ ، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) [ق ٥٠ / ٤٥].
ثم أبان الله تعالى إعجاز القرآن الكريم بدليل تحدّي العرب به ، فقال : (أَمْ يَقُولُونَ : افْتَراهُ ..) أي بل يقول مشركو مكة : افترى محمد القرآن أي اختلقه من عند نفسه ، فإن كان ما يزعمون صحيحا ، فليأتوا بعشر سور مثله مفتريات ، تضارعه في الفصاحة والبلاغة ، وإتقان الأحكام والتّشريعات في شؤون الحياة المختلفة من سياسة واجتماع واقتصاد ونظام تعامل ، والإخبار بقصص الأنبياء والغيبيات ، وهم أهل السّبق في البيان والتّفوق في ملكة اللسان. والمختار عند أكثر المفسّرين أن القرآن معجز بسبب الفصاحة ، وقيل : بسبب الأسلوب ، وقيل : بسبب عدم التناقض ، وقيل : بسبب اشتماله على العلوم الكثيرة ، وقيل : بسبب إخباره عن المغيبات.
ولكنهم عجزوا ؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله ، ولا بعشر سور مثله ، بل ولا بأقصر سورة من مثله ؛ لأن كلام الرّب تعالى لا يشبه كلام المخلوقين ، كما أن صفاته لا تشبه صفات المحدثات ، وذاته لا يشبهها شيء.
وهذه الآية اشتملت على خطابين : خطاب الرّسول صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى : (قُلْ : فَأْتُوا ..) ، وخطاب الكفار بقوله : (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ ..).