والمراد بهذا الاستفهام الإنكاري النّفي أو النّهي ، أي لا تترك شيئا مما أوحينا إليك من تبليغه المشركين وغيرهم ، ولا تتضايق من تلاوته عليهم. ويقصد من ذلك المبالغة في التّحذير ، والإغراء بأداء الرّسالة ، وعدم المبالاة بكلماتهم الفاسدة ، تأكيدا على تبليغ كامل الوحي ، سواء رضي الناس أو غضبوا ، لأن مجاملتهم غير مفيدة. ولا يعني هذا وقوع المنهي عنه ، لعصمة الرّسول من التّقصير أو الخيانة في الوحي ، فقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز على الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن يخون في الوحي ، والتّنزيل ، وأن يترك بعض ما يوحى إليه ؛ لأن تجويزه يؤدي إلى الشّك في كلّ الشّرائع والتّكاليف ، وذلك يقدح في النبوة.
(أَنْ يَقُولُوا : لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ ..) أي لا تتضايق لأجل أن يقولوا ، أو كراهة أن يقولوا (١) : لو لا أي هلا أنزل عليه كنز من عند ربّه يغنيه عن التّجارة والكسب ، ويدلّ على صدقه ، والقائل عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي ، أو ينزل معه ملك من السماء يؤيد دعوته ، كقوله تعالى : (وَقالُوا : ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ، وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ؟ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ ، فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً. أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ ، أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها ، وَقالَ الظَّالِمُونَ : إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) [الفرقان ٢٥ / ٧ ـ ٨]. وإنما قال : (ضائِقٌ) ولم يقل «ضيق» ليشاكل (تارِكٌ) الذي قبله ، ولأن الضائق عارض طارئ غير لازم ، والضيق ألزم منه.
فهذا إرشاد من الله تعالى لنبيّه ألا يضيق صدره بتبليغ الوحي والرّسالة ، وألا يثنيه شيء عن دعوتهم إلى الله آناء الليل وأطراف النهار ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) [الحجر ١٥ / ٩٧].
__________________
(١) وذلك مثل : يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء ٤ / ١٧٦] أي لئلا تضلّوا.