من عند أنفسكم ، إن صحّ أني اختلقته من عند نفسي ، فإنكم عرب فصحاء مثلي ، تقدرون على مثل ما أقدر عليه ، بل أنتم أقدر لمعرفتكم بأساليب البيان خطابة وشعرا ونثرا. (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره إلى المعاونة على المعارضة. (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنه مفترى.
(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) أي بالإتيان بما دعوتم إليه للمعاونة. والاستجابة : الإجابة. وجمع ضمير (لَكُمْ) إما لتعظيم الرّسول صلىاللهعليهوسلم ، أو لأن المؤمنين أيضا كانوا يتحدّونهم أيضا. (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) خطاب للمشركين : فاعلموا أنما أنزل مصحوبا بعلم الله فلا يعلمه إلا الله ، ولا يقدر عليه سواه ، وليس افتراء عليه.
(وَأَنْ) مخففة أي أنه. (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ثابتون على الإسلام راسخون فيه مخلصون إن كان الخطاب للمؤمنين؟ وهل أسلموا بعد هذه الحجة القاطعة إن كان الخطاب مع الكفار؟
المناسبة :
بعد أن ذكر الله تعالى افتراء المشركين على القرآن بأنه سحر مبين ، وإعراضهم عنه كيلا يسمعوه ، ذكر تكذيبهم للرّسول صلىاللهعليهوسلم وللقرآن ، وظنّهم أنه مثل الملوك مدعوم بالمال للإغراء وكسب الأتباع ، ومطالبتهم دعمه بالكنز أو بالملك ، وتحدّيهم بالإتيان بعشر سور مثل القرآن الكريم.
سبب النّزول :
روي عن ابن عباس رضياللهعنهما : أن رؤساء مكة قالوا : يا محمد ، اجعل لنا جبال مكة ذهبا إن كنت رسولا. وقال آخرون : ائتنا بالملائكة يشهدون بنبوّتك ، فقال : لا أقدر على ذلك ، فنزلت هذه الآية.
التفسير والبيان :
لعلك أيها الرّسول تارك بعض ما يوحى إليك أحيانا أن تلقيه إليهم ، وتبلغه إياهم مخافة ردّهم له وتهاونهم به ، مثل تسفيه أحلامهم والتّنديد بعبادتهم الأوثان ، وضائق به صدرك بأن تتلوه عليهم ، أو لأجل أن يقولوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ).