وخص الناصية بالذكر ؛ لأن من أخذ بناصيته يكون في غاية الذل. (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي على الحق والعدل ، لا يضيع عنده معتصم ، ولا يفوته ظالم.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي تعرضوا وتتولوا ، وقد حذفت فيه إحدى التاءين. (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) أي فقد أديت ما علي من الإبلاغ ، وإلزام الحجة ، فلا تفريط مني ولا عذر لكم ، فقد أبلغتكم رسالة ربي. (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) استئناف بالوعيد لهم ، بأن الله يهلكهم ، ويستخلف قوما آخرين في ديارهم وأموالهم. (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) بتوليكم وإشراككم. (حَفِيظٌ) رقيب.
(أَمْرُنا) عذابا أو أمرنا بالعذاب. (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ) هداية ، وكانوا أربعة آلاف. (غَلِيظٍ) شديد ، وهذا تعريض بأنهم كما عذبوا في الدنيا بريح السموم ، فهم معذبون في الآخرة بالعذاب الشديد.
(وَتِلْكَ عادٌ) أنت اسم الإشارة باعتبار القبيلة ، أو لأن الإشارة إلى قبورهم وآثارهم ، أي فانظروا آثارهم في الأرض. (جَحَدُوا) كفروا. (وَعَصَوْا رُسُلَهُ) جمع الرسل ؛ لأن من عصى رسولا ، عصى جميع الرسل ؛ لاشتراكهم في أصل ما جاؤوا به وهو التوحيد. (وَاتَّبَعُوا) أي السفلة. (أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أي معاند للحق ، يعني كبراءهم ورؤساءهم الطاغين ، والمعنى : عصوا من دعاهم إلى الإيمان وما ينجيهم ، وأطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم.
(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) أي جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين ، في الدنيا من الناس ، ويوم القيامة لعنة على رؤوس الناس ، توقعهم في العذاب. (كَفَرُوا رَبَّهُمْ) جحدوه أو كفروا نعمه ، أو كفروا به ، فحذف الجار. (أَلا بُعْداً لِعادٍ) أي من رحمة الله ، وهو دعاء عليهم بالهلاك. والمراد به الدلالة على أنهم كانوا مستوجبين لما نزل عليهم من العذاب ، بسبب أفعالهم. (قَوْمِ هُودٍ) عطف بيان لعاد ، لتمييزهم عن عاد الثانية عاد إرم.
المناسبة :
هذه هي القصة الثانية من القصص التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة ، وقد ذكرت هذه القصة في سورة الأعراف بأسلوب ونظم آخر. وكان هود أول من تكلم بالعربية من ذرية نوح.
وفي إيراد هذه القصة هنا شبه بقصة نوح مع قومه ، ففيها تبليغ هود الدعوة والتكاليف إلى قومه ، وردهم عليه ، وما انتهت به القصة من إنجاء المؤمنين ، وإهلاك الكافرين.