تَنْتَهِ) عن التعرض لها ومقالك فيها (لَأَرْجُمَنَّكَ) أي لأشتمنك بالكلام القبيح ، أو لأرجمنك بالحجارة ، فاحذرني. (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) واتركني دهرا طويلا.
(سَلامٌ عَلَيْكَ) مني ، أي سلام توديع ومتاركة ومقابلة للسيئة بالحسنة ، أي لا أصيبك بمكروه ، ولا أقول لك بعد ما يؤذيك. (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) أي ولكن سأستغفر لك الله ، لعله يوفقك للتوبة والإيمان ، فإن حقيقة الاستغفار للكافر : استدعاء التوفيق لما يوجب مغفرته. (حَفِيًّا) مبالغا في برّي وإكرامي ، فيجيب دعائي. وقد وفى بوعده المذكور ، فقال في سورة الشعراء : (وَاغْفِرْ لِأَبِي).
(وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ) وأترككم وما تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) غيره. (وَأَدْعُوا رَبِّي) وأعبده وحده. (بِدُعاءِ رَبِّي) بعبادته. (شَقِيًّا) خائب المسعى ، مثلكم في دعاء آلهتكم. وفي تصدير الكلام بعسى : تواضع وتنبيه على أن الإجابة والإثابة تفضل من الله غير واجب عليه. (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) بالهجرة إلى الشام ، والذهاب إلى الأرض المقدسة. (وَهَبْنا لَهُ) ابنا وابن ابن يأنس بهما ، وهما إسحاق من سارّة التي تزوج بها ، ثم ولد لإسحاق يعقوب ، ولعل تخصيصهما بالذكر ؛ لأنهما شجرتا الأنبياء. (وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا) وكلّا منهما أو منهم وهبناه النبوة. (وَوَهَبْنا لَهُمْ) للثلاثة (مِنْ رَحْمَتِنا) الأموال والأولاد (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) أي ثناء حسنا رفيعا في جميع أهل الأديان.
المناسبة :
هذه هي القصة الثالثة في سورة مريم ، فبعد أن أبان الله تعالى ضلال النصارى ، ذكر ضلال عبدة الأوثان. والفريقان ، وإن اشتركا في الضلال إلا أن ضلال الفريق الفريق الثاني أعظم ؛ لأن مقصد السورة إثبات التوحيد والنبوة والبعث والحشر ، والمنكرون للتوحيد فريقان : فريق أثبت معبودا غير الله حيا عاقلا وهم النصارى ، وفريق أثبت معبودا غير الله جمادا ليس بحي ولا عاقل ، وهم عبدة الأصنام ، فذكر الفريق الأول ، ثم الثاني ، لإبطال المذهبين.
والسبب في ذكر قصة إبراهيم هو أنه أبو العرب ، وكانوا معترفين بملته ودينه : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) [الحج ٢٢ / ٧٨] فنبههم تعالى إلى منهج إبراهيم من خلال حجاجه مع أبيه آزر.