والمراد بالهداية : بيان الدليل وشرحه وإيضاحه ، وقوله : (فَاتَّبِعْنِي) ليس أمر إيجاب ، بل أمر إرشاد ، وكانت هذه المحاورة بعد أن صار إبراهيم نبيا. ويلاحظ أنه لم يصف أباه بالجهل ، ولا نفسه بالعلم الكامل ، لئلا ينفر منه ، وإنما قال : أعطيت شيئا من العلم لم تعطه.
(يا أَبَتِ ، لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ ، إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا) أي يا أبي ، لا تطع الشيطان في عبادتك هذه الأصنام ، فإنه هو الداعي إلى عبادتها ، المستن لها ، الراضي بها ، كما قال تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [يس ٣٦ / ٦٠] وقال سبحانه : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً ، وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) [النساء ٤ / ١١٧].
لا تطع الشيطان ، فإن عبادة الأصنام ، هي من طاعة الشيطان ، والشيطان عاص (كثير العصيان) مخالف مستكبر عن طاعة ربه ، حين ترك ما أمره به من السجود لآدم ، والعاصي حقيق بأن تسلب عنه النعم ، وتحلّ به النقم ، لذا طرده ربه وأبعده من رحمته ، فلا تتبعه تصر مثله ، فإن عبادة الأصنام لا يتقبلها عقل ، ولكنها تنشأ من وسوسة الشيطان وإغوائه ، فكانت عبادتها عبادة له ، وطاعة لإغوائه ، والشيطان عدو آدم وذريته ، لا يريد لكم إلا الشر.
(يا أَبَتِ ، إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ ، فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) يا أبي ، إني أخشى أن يصيبك عذاب الله على شركك وعصيانك لما أطلبه منك ، فتكون بذلك مواليا للشيطان ، وقرينا معه في النار ، بسبب موالاته. وهذا تحذير لأبيه من سوء العاقبة ، وإنذار بالشر ، حيث لا يكون له مولى ولا ناصر ولا مغيث إلا إبليس ، وليس له ولا لغيره من الأمر شيء ، بل اتباعه موجب لإحاطة العذاب به ، كما قال تعالى : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ