الآية : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء ٢٦ / ٨٦] (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) [إبراهيم ١٤ / ٤١]. والمراد بكل ذلك طلب الهداية وترك الضلال.
وإنما استغفر له ؛ لوعد سابق منه أن يؤمن ، كما قال تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) [التوبة ٩ / ١١٤].
ويرى ابن كثير أن الاستغفار للمشركين كان جائزا ثم نسخ في شرعنا ، فقال : وقد استغفر إبراهيم عليهالسلام لأبيه مدة طويلة ، وبعد أن هاجر إلى الشام ، وبنى المسجد الحرام ، وبعد أن ولد له إسماعيل وإسحاق عليهماالسلام في قوله : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) وقد استغفر المسلمون لقراباتهم وأهليهم من المشركين في ابتداء الإسلام ، وذلك اقتداء بإبراهيم الخليل في ذلك ، حتى أنزل الله تعالى : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ : إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) إلى قوله : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ، وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ..) الآية [الممتحنة ٦٠ / ٤] يعني إلا في هذا القول ، فلا تتأسوا به. ثم بيّن تعالى أن إبراهيم أقلع عن ذلك ورجع عنه ، واستقر التشريع بما دلّ عليه قوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ، وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى ، مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) [التوبة ٩ / ١١٣] (١).
والخلاصة : إن الاستغفار بمعنى طلب الهداية والتوفيق حال الحياة لا بأس به ، وأما بعد الموت على الشرك أو الكفر ، فهو ممنوع ، فقول بعض الناس : المرحوم فلان ، وهو يعلم أنه مات كافرا ، غير جائز.
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ١٢٣ ـ ١٢٤.