لكان فيه هلاكهما ، فليرض امرؤ بقضاء الله ، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب. وصح في الحديث : «لا يقضي الله لمؤمن قضاء إلا كان خيرا له» وقال تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة ٢ / ٢١٦].
(فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) أي قال الخضر العالم : فأردنا أن يرزقهما الله بدل هذا الولد ولدا خيرا منه دينا وصلاحا وطهارة من الذنوب ، وأقرب رحمة لوالديه ، وعطفا عليهما ، وبرا بهما وشفقة عليهما. ويلاحظ أن الغلام يشمل البالغ والصغير ، ويرى الجمهور أن هذا الغلام لم يكن بالغا ، لذا قال موسى : نفسا زكية أي لم تذنب. وقال الكلبي : كان بالغا.
٣ ـ (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ، وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما ، وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً ، فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما ، وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي وأما الحائط الذي أصلحته ، فكان لولدين صغيرين يتيمين في قرية هي أنطاكية ، وكان تحته كنز ، أي مال جسيم مدفون ، وكان أبوهما وهو الأب السابع رجلا صالحا ، فأراد الله إبقاء ذلك الكنز (وكان مالا) مدفونا حفظا لمالهما ، ولصلاح أبيهما ، فأمرني ربي بإصلاح ذلك الحائط ، إذ لو سقط لاكتشف وأخذ ، وأراد الله أن يبلغ الغلامان كمالهما وتمام نموهما ، ويستخرجا الكنز من ذلك الموضع الذي عليه الجدار ، رحمة لهما ، بصلاح أبيهما. والمراد بالمدينة هي القرية المذكورة سابقا : (حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) وهو دليل على إطلاق القرية على المدينة. والظاهر أن الغلامين كانا صغيرين بقرينة وصفهما باليتم ، وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود عن علي : «لا يتم بعد احتلام».
ويلاحظ أنه هنا أسند الإرادة إلى الله تعالى ؛ لأن بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلا الله. وأما في السفينة ، فأسند الفعل إلى الخضر العالم ، فقال تعالى : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) كما أن الأدب يقضي إسناد الخير إلى الله ، والشر إلى العباد.