وقتل الغلام ، وإقامة الجدار. وهذا عتاب ولوم على عدم الصبر. ثم ذكر الخضر سبب ما أقدم عليه من الأمور الثلاثة :
١ ـ (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها ، وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) أي إن السفينة التي خرقتها لأعيبها ، فكانت مملوكة لضعفاء أيتام ليس لهم شيء ينتفعون به غيرها ، ولا يقدرون على دفع من أراد ظلمهم ، وكانوا يكرون تلك السفينة لركاب البحر ، ويأخذون الأجرة ، فأردت بخرقها ونزع لوح منها أن أعيبها ؛ لأنه كان أمامهم ملك جبار ظالم يستولي على كل سفينة صالحة غير معيبة ، ويغتصبها ظلما وعدوانا دون وجه حق ، فكان عملي حماية لهذه السفينة لأصحابها الضعفاء ، فأنا لم أعمل سوءا ، وإنما ارتكبت أخف الضررين لدفع أعظمهما.
روى ابن جريج عن شعيب الجبائي : «أن اسم ذلك الملك هدد بن بدد» وهو مذكور في التوراة في ذرية العيص بن إسحاق.
ويلاحظ أن المراد بقوله (وَراءَهُمْ) أمامهم ، كقوله تعالى : (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) [الجاثية ٤٥ / ١٠] وقوله تعالى : (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) [الدهر ٧٦ / ٢٧].
٢ ـ (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ ، فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) أي وأما الولد الغلام الذي قتلته ، وكان اسمه شمعون أو حيثور أو حيسون ، فإنه كان كافرا ، وقد أطلعني الله على مستقبله ، وكان أبواه مؤمنين ، فخشينا إذا صار كبيرا أن يحملهما حبه على متابعته في الكفر والوقوع في الظلم والعصيان والمنكرات ؛ لأن حب الولد غريزة. وهذا من قبيل سد الذرائع وفتحها ، فإن كل ما كان وسيلة إلى المصلحة فهو مصلحة.
قال قتادة : قد فرح به أبواه حين ولد ، وحزنا عليه حين قتل ، ولو بقي