والحادث الثالث هو :
(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) أي فانطلق الخضر وموسى يمشيان بعد المرتين الأوليين ، حتى إذا وصلا إلى قرية ، طلبا من أهلها إطعامهما وسد جوعتهما ، فرفضوا ذلك وأبوا أن يعطوهما ما هو حق واجب عليهم من الضيافة. وهذا إخلال بالمروءة ، واتصاف بالبخل والشح ، وتلك القرية هي أنطاكية.
(فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ) أي وجد الخضر وموسى في تلك القرية حائطا آيلا إلى السقوط ، فردّه الخضر كما كان ، جاء في الحديث الصحيح : أنه مسحه بيده فإذا هو قد استقام. وهذا من كراماته.
وإسناد الإرادة هنا إلى الجدار على سبيل الاستعارة كما تقدم ، فإن الإرادة في المحدثات بمعنى الميل ، والانقضاض : هو السقوط ، والأول من أفعال العقلاء والثاني من خواص الجمادات ونحوها.
فعند ذلك قال موسى للخضر :
(قالَ : لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) أي قال موسى للخضر : ليتك تطلب أجرة على إقامة الجدار وإصلاحه ، فإنه نظرا لأنهم لم يضيفونا ، كان ينبغي ألا تعمل لهم مجانا ، فأجابه الخضر :
(قالَ : هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ، سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) أي قال الخضر لموسى عليهماالسلام : هذا الإنكار أو الاعتراض المتكرر سبب الفراق بيننا أو المفرّق بيننا ، بحسب الشرط الذي قبلته على نفسك ، فقد قلت بعد قتل الغلام : (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها ، فَلا تُصاحِبْنِي). وسأخبرك بتفسير وبيان وجه الأفعال التي أنكرتها ، ولم تطق صبرا عليها ، وهي خرق السفينة ،