ثم وصف الله تعالى الجنات التي يدخلها التائبون من ذنوبهم وهي أوصاف ثلاثة :
١ ـ (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ ، إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) أي هي جنات إقامة دائمة ، وعد الرحمن بها عباده الأبرار بظهر الغيب ، فآمنوا بها ولم يروها ؛ لقوة إيمانهم ، ولأن وعد الله آت لا يخلف ، ومنها الجنة ، يأتيها أهلها لا محالة. وقوله : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) أي آتيا : تأكيد لحصول ذلك وثبوته واستقراره ، فإن الله لا يخلف الميعاد ولا يبدله ، كقوله : (كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً) [المزمل ٧٣ / ١٨] أي كائنا لا محالة.
٢ ـ (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) أي لا يسمع الأبرار أهل الجنة فيها كلاما ساقطا ، أو تافها لا معنى له ، أو هذرا لا طائل تحته ، كما قد يوجد في الدنيا ، ولكن يسمعون سلام بعضهم على بعض ، أو سلام الملائكة عليهم ، بما يشعرهم بالأمان والطمأنينة ، وهما منتهى الراحة والسعادة.
وقوله : (إِلَّا سَلاماً) استثناء منقطع كقوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً : سَلاماً سَلاماً) [الواقعة ٥٦ / ٢٥ ـ ٢٦].
٣ ـ (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) أي يأتيهم ما يشتهون من الطعام والشراب قدر وقت البكرة والعشي ، أي وقت الغداء صباحا ، والعشاء مساء إذ ليس هناك ليل ولا نهار ، وإنما بمقدار طرفي النهار في الدنيا ، وفي أوقات تتعاقب يعرفون مضيها بأضواء وأنهار ، كما أخرج الإمام أحمد والشيخان في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أول زمرة تلج الجنة ، صورهم على صورة القمر ليلة البدر ، لا يبصقون فيها ، ولا يتمخّطون فيها ، ولا يتغوّطون ، آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ، ومجامرهم الألوّة (١) ، ورشحهم
__________________
(١) الألوّة : بفتح الهمزة وضمها ، عود يتبخر به ، والمجامر جمع مجمرة : وهي الشيء الذي يوضع فيه الجمر والبخور.