قال المفسرون : استأذن موسى عليهالسلام شعيبا في الرجوع إلى والدته ، فأذن له ، فخرج ، فولد له ابن في الطريق في ليلة شاتية مثلجة ، وكانت ليلة الجمعة ، وقد حاد عن الطريق ، فقدح موسى عليهالسلام النار ، فلم تور المقدحة شيئا ، فبينا هو يزاول ذلك ، إذ نظر نارا من بعيد عن يسار الطريق ، فظن أنها نار من نيران الرعاة ، من جانب جبل الطور الواقع عن يمينه (١) ، كما قال تعالى :
(إِذْ رَأى ناراً ، فَقالَ لِأَهْلِهِ : امْكُثُوا ، إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) أي هل أتاك خبر موسى حين رأى نارا ، وكانت رؤيته للنار في ليلة مظلمة لما خرج مسافرا من مدين إلى مصر ، والصحيح كما قال الرازي أنه رأى نارا ، لا تخيل نارا ، ليكون صادقا في خبره ؛ إذ الكذب لا يجوز على الأنبياء.
فقال لزوجه وولده وخادمه مبشرا لهم : أقيموا مكانكم ، إني رأيت نارا من بعيد ، لعلني أوافيكم منها بشعلة مضيئة أو بشهاب ، أو جذوة كما في آية أخرى ، لعلكم تستدفئون (أو تصطلون) بها ، مما يدل على وجود البرد ، أو أجد عند النار من يهديني إلى الطريق ويدلني عليها ، كما قال تعالى : (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ ، لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) [القصص ٢٨ / ٢٩]. والهدى : ما يهتدى به ، وهو اسم مصدر ، فكأنه قال : أجد على النار ما أهتدي به من دليل أو علامة. ومعنى الاستعلاء على النار : أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها ، ولأن المصطلين بها إذا أحاطوا بها كانوا مشرفين عليها.
(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ : يا مُوسى ، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ، فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) أي فلما أتى النار التي آنسها ، واقترب منها نودي من قبل الرب تبارك وتعالى ، كما قال: (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ / ١٥