قال الله تعالى في مكان آخر : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ، فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) [القصص ٢٨ / ٣٢] ، وعبر تعالى عن الجناح أيضا بالجيب ، فقال : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ، تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) [النمل ٢٧ / ١٢] ، (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) [القصص ٢٨ / ٣٢].
(لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) فعلنا هذا لنريك بهاتين الآيتين بعض دلائل قدرتنا على كل شيء في السموات والأرض والمخلوقات الموجودات.
وبعد أن أظهر تعالى له هذه الآية أمره بالذهاب إلى فرعون ، وبين العلة في ذلك ، وهي أنه طغى ، فقال :
(اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) أي اذهب رسولا إلى فرعون ملك مصر الذي خرجت فارا منه ، ومعك ما رأيته من آياتنا الكبرى ، وادعه إلى توحيد الله وعبادته ، ومره بأن يحسن إلى بني إسرائيل ، فإنه كفر وتجاوز قدره والحدود كلها ، فآثر الحياة الدنيا وادعى أنه الرب الأعلى.
ولما أمر الله تعالى موسى عليهالسلام بالذهاب إلى فرعون ، وكان ذلك تكليفا شاقا ، سأل ربه أمورا ثمانية ، ثم ختمها بعلة سؤال تلك الأشياء ، فقال :
١ ـ (قالَ : رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) قال موسى : رب وسع لي صدري وأزل عنه الضيق فيما بعثتني به ، فإنه أمر عظيم وخطب جسيم ، وسبب هذا السؤال قوله : (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) [الشعراء ٢٦ / ١٣] ، فسأل الله تعالى أن يبدل ذلك الضيق بالسعة ، ليحتمل أذى الناس وأعباء الرسالة.
٢ ـ (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) أي سهل علي القيام بما كلفتني به من تبليغ الرسالة ، وقوني على مهمتي ، فإن لم تكن أنت عوني ونصيري وإلا فلا طاقة لي بذلك.