نختارك على ما جاءنا به موسى من البينات الواضحة من عند الله تعالى ، والمعجزات الظاهرة كاليد والعصا ، وعلى ما حصل لنا من الهدى واليقين ، ولن نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم ، فهو المستحق للعبادة والخضوع ، لا أنت.
ـ (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ، إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي فافعل ما شئت ، واصنع ما أنت صانع ، إنما لك تسلط ونفوذ علينا في هذه الدنيا التي هي دار الزوال ، بما تريد من أنواع القتل ، ولا سبيل لك علينا فيما بعدها ، ونحن قد رغبنا في دار القرار.
ـ (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا ، وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ، وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) أي إننا صدقنا بالله ربنا المحسن إلينا ، ليتجاوز ويستر ويعفو عن سيئاتنا وآثامنا وذنوبنا ، خصوصا ما أجبرتنا عليه من عمل السحر ، لنعارض به آية الله تعالى ومعجزة نبيه ، والله خير لنا منك جزاء وأدوم ثوابا ، مما كنت وعدتنا ، وأبقى منك عقابا.
ذكر أن رؤساء السحرة كانوا اثنين وسبعين ، اثنان من القبط ، والباقي من بني إسرائيل ، فقالوا لفرعون : أرنا موسى نائما ، فرأوه فوجدوه تحرسه عصاه ، فقالوا : ما هذا بساحر ، الساحر إذا نام بطل سحره ، فأبى إلا أن يعارضوه.
ولم تدل الآيات على تنفيذ فرعون ما هدد به السحرة ، ولكن الظاهر أنه نفذ ذلك ، لقول ابن عباس المتقدم : أصبحوا سحرة ، وأمسوا شهداء بررة.
وتابع السحرة وعظ فرعون ، يحذرونه من نقمة الله وعذابه الدائم ، ويرغبونه في ثوابه الأبدي الخالد ، فقالوا :
(إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً ، فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ ، لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) أي إن من يلقى الله يوم القيامة وهو مجرم ، فعذابه في جهنم ، لا يموت فيها ميتة