(قالَ : آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ، إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) أي قال فرعون الذي أصر على كفره وعناده وبغيه ومكابرته الحق بالباطل حين رأى المعجزة الباهرة ، وإيمان من استنصر بهم من السحرة ، وهزيمته الساحقة : هل صدقتموه أو صدقتم قوله واتبعتموه على دينه من غير إذن مني لكم بذلك؟ فلم تؤمنوا عن بصيرة وتفكير ، إنما أنتم أخذتم السحر عن موسى ، فهو معلمكم وأستاذكم ، وأنتم تلاميذه ، واتفقتم وتواطأتم أنتم وإياه علي وعلى رعيتي لتظهروه وتروجوا لدعوته ، كما قال تعالى : (إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ ، لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها ، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف ٧ / ١٢٣].
أراد فرعون بهذا القول أن يدخل الشبهة على الناس ، حتى لا يؤمنوا ، وإلا فإنه قد علم أنهم لم يتعلموا من موسى ، ولا كان رئيسا لهم ، ولا بينه وبينهم صلة أو مواصلة.
ثم لجأ فرعون إلى التهديد والتنفير عن الإيمان قائلا :
(فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ، وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ، وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) أي أقسم أني لأمثلن بكم ، فأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ، أي بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو عكسه. قال ابن عباس : فكان أول من فعل ذلك ، وهذا تعطيل للمنفعة ، وأيضا لأصلبنكم على جذوع النخل ، زيادة في الإيلام والتشهير ، وإنما اختارها لخشونتها وأذاها ، ولتعلمن هل أنا أشد عذابا لكم أو رب موسى؟
وفي هذا تحد لقدرة الله ، وتحقير لشأن موسى ، وإيماء إلى ماله من سلطة وقهر واقتدار.
ولما صال عليهم بذلك وتوعدهم ، هانت عليهم أنفسهم في الله عزوجل :
ـ (قالُوا : لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا) أي لن