لقوله : (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) [غافر ٤٠ / ٢٩] فمعنى (أَضَلَّهُمُ) : سلك بهم طريقا إلى الخسران في دينهم ودنياهم ، إذ أغرقوا فأدخلوا نارا. ومعنى (وَما هَدى) : وما أرشدهم طريقا يؤدي بهم إلى السعادة.
(أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) فرعون بإغراقه (الْأَيْمَنَ) أي عن يمين من يأتي من الشام إلى مصر ، لإنزال التوراة ، للعمل ب ها ، وقرئ الأيمن بالجر على الجوار (الْمَنَ) نوع من الحلوى يسمى الترنجبين (وَالسَّلْوى) طائر هو السماني ، وكلاهما في التيه (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) لذائذه أو حلالاته مما أنعمنا به عليكم (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) بأن تكفروا النعمة به ، وتخلوا بشكره ، وتتعدوا لما حد الله لكم فيه ، كالسرف والبطر والمنع عن المستحق (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) بكسر الحاء : أي فيجب ويلزمكم عذابي ، وبضمها : أي ينزل (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ) بكسر الحاء وضمها (فَقَدْ هَوى) سقط من النار وهلك.
(لَغَفَّارٌ) كثير المغفرة وستر الذنوب (لِمَنْ تابَ) من الشرك (وَآمَنَ) وحد الله وآمن بما يجب الإيمان به (وَعَمِلَ صالِحاً) عمل الفرائض والنوافل (ثُمَّ اهْتَدى) ثم استقام على الهدى المذكور إلى موته.
المناسبة :
بعد بيان الانتصار الساحق لموسى عليهالسلام على السحرة ، أبان الله تعالى طريق الخلاص بين فرعون الطاغية وقومه وبين بني إسرائيل ، فأغرق الله فرعون وجنوده في البحر ، حين تبعوا موسى وقومه ، لما خرج من مصر إلى الطور ، وذلك بمعجزة العصا التي ضرب بها موسى البحر ، فأحدث فيه بقدرة الله طريقا يبسا ، بالرغم من الآيات المفصلة التي حدثت على يد موسى في مدى عشرين سنة حسبما ذكر في سورة الأعراف.
وأنقذ الله بني إسرائيل الذين أنعم الله عليهم بأنواع من النعم الدينية والدنيوية وأهمها إزالة المضرة ، فاقتضى تذكيرهم إياها ، وابتدأ بالمنفعة الدنيوية بقوله : (أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) وهو إشارة إلى إزالة الضرر ، ثم ثنى بذكر المنفعة الدينية بقوله : (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) وهو إنزال التوراة كتاب دينهم ومنهاج شريعتهم ، ثم ثلث بذكر المنفعة الدنيوية بقوله : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ