(فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ) بعد ما استوفى الأربعين ليلة وأخذ التوراة (غَضْبانَ) عليهم (أَسِفاً) شديد الحزن بما فعلوا (وَعْداً حَسَناً) أي صدقا أنه يعطيكم التوراة فيها هدى ونور (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) أي زمان الإنجاز ، يعني زمان مفارقته لهم (أَنْ يَحِلَ) يجب عليكم (غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) بعبادتكم العجل (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) وعدكم إياي بالثبات على الإيمان بالله ، والقيام بما أمرتكم به ، وتركتم المجيء بعدي.
(بِمَلْكِنا) مثلث الميم أي بقدرتنا واختيارنا وأمرنا ، إذ لو خلينا وأمرنا ولم يسول علينا السامري ، لما أخلفنا موعدك (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) وقرئ : وحملنا ، و (أَوْزاراً) أثقالا ، وزينة القوم أي حلي قوم فرعون ، أي حملنا أحمالا من حلي القبط التي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر ، باسم العروس (فَقَذَفْناها) طرحناها في النار بأمر السامري (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) أي كما ألقينا فكذلك ألقى السامري ما كان معه منها أي من حليهم ومن التراب الذي أخذه من أثر حافر فرس جبريل.
(فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً) أي صاغ من تلك الحلي المذابة عجلا جثة لا روح فيها (لَهُ خُوارٌ) الخوار : صوت العجل ، والمراد هنا صوت يسمع بسبب التراب الذي يكون أثره الحياة فيما يوضع فيه ، وقد وضعه في فم العجل بعد صوغه.
(فَقالُوا) أي السامري وأتباعه (فَنَسِيَ) أي نسي السامري وترك ما كان عليه من إظهار الإيمان ، وقيل في زعم السامري : نسي موسى ربه هنا ، وذهب يطلبه عند الطور.
(أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) ألا يرد العجل لهم جوابا (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) أي لا يقدر على دفع ضر عنهم ولا جلب نفع لهم ، فكيف يتخذ إلها؟!
المناسبة :
بعد تعداد النعم على بني إسرائيل ، أردف هذا بقصة الكلام الذي جرى بينه تعالى وبين موسى في الميقات بحسب المواعدة التي واعده بها ربه سابقا ، ثم أعقبه ببيان فتنة السامري لبني إسرائيل باختراع العجل من الذهب ، وجعله إلها ، يصدر صوتا حينما تهب رياح معينة ، فتحرك التراب الذي في فمه ، فوبخهم الله بأن هذا العجل لا يجيب سائله ، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا.
وتجاوب بني إسرائيل في تأليه العجل وعبادته نابع من ميلهم إلى الوثنية