أثناء مخالطة المصريين ، بدليل أنه لما نجاهم الله من طغيان فرعون ، طلبوا من موسى نفسه عليهالسلام أن يصنع لهم تمثالا ليعبدوه ، كما قال تعالى : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ ، فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ ، قالُوا : يا مُوسَى ، اجْعَلْ لَنا إِلهاً ، كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ، قالَ : إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف ٧ / ١٣٨].
التفسير والبيان :
(وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) أي ما حملك على أن تسبقهم ، والقوم : هم بنو إسرائيل ، والمراد بهم هنا النقباء السبعون ، أي ما الذي حملك على العجلة حتى تركت النقباء وخرجت من بينهم.
وذلك أن الله وعد موسى باللقاء في جبل الطور بعد هلاك فرعون ، ليعطيه الألواح التي فيها الوصايا الدستورية لبني إسرائيل. فلما أهلك الله فرعون سأل موسى ربه الكتاب ، فأمره أن يصوم ثلاثين يوما ، ثم زيدت إلى أربعين يوما : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ ، فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ : اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ، وَأَصْلِحْ ، وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف ٧ / ١٤٢].
وكانت المواعدة أن يوافي موسى وجماعة من وجوه قومه ، فاختار موسى منهم سبعين رجلا : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) [الأعراف ٧ / ١٥٥] وهم النقباء السبعون الذين اختارهم ، فسار موسى بهم ، ثم عجل من بينهم شوقا إلى ربه ، أي لما قرب من الطور سبقهم شوقا إلى سماع كلام الله ، فقال الله له : ما أعجلك؟ أي ما الذي حملك على العجلة حتى تركت قومك وخرجت من بينهم؟.
وهذا الإنكار إنكار للعجلة في ذاتها ؛ لما فيها من عدم العناية بصحبه ؛ لأن من شرط المرافقة الموافقة ، وهو تعليم للأدب الحسن الرفيع في المصاحبة.