غضبه لله ، ومن المعلوم أن موسى عليهالسلام كان حديدا خشنا متصلبا في كل شيء ، فلم يتمالك حين رآهم يعبدون العجل ، ففعل ما فعل. (خَشِيتُ) خفت لو اتبعتك (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) ولم تراع قولي فيما رأيته في ذلك.
(قالَ : فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ) أي ثم أقبل عليه وقال منكرا : ما شأنك الداعي إلى ما صنعت ، وما الذي حملك على هذا الأمر الخطير؟ (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) أي علمت بما لم يعلموه (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) فقبضت قبضة من تربة موطئ جبريل عليهالسلام ، فهو الرسول ، وقيل : موسى عليهالسلام ، والقبضة : الأخذ بجميع الكف (فَنَبَذْتُها) ألقيتها وطرحتها في صورة العجل المصاغ (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) أي ومثل ذلك زينت وحسنت لي نفسي.
(قالَ : فَاذْهَبْ) قال موسى له : (فَاذْهَبْ) من بيننا (فِي الْحَياةِ) مده حياتك (أَنْ تَقُولَ) لمن رأيته ، عقوبة على ما فعلت (لا مِساسَ) أي لا تقربني ، ولا مخالطة ، فلا يقربه ولا يخالطه أحد ، ولا يخالط أحدا ، فعاش وحيدا طريدا ، وإذا حدث مساس مع أحد ، أخذته الحمى (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً) في الآخرة لعذابك (لَنْ تُخْلَفَهُ) أي سيأتيك الله به حتما ، وتبعث إليه ، وبكسر اللام : لن تغيب عنه (ظَلْتَ) أصله : ظلت ، فحذفت الأولى تخفيفا ، أي دمت (عاكِفاً) مقيما تعبده (لَنُحَرِّقَنَّهُ) أي بالنار (لَنَنْسِفَنَّهُ) لنذرينه (فِي الْيَمِ) في البحر (نَسْفاً) نذرا ، فلا يصادف منه شيء ، وقام موسى فعلا بإلقاء العجل في البحر.
(وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) وسع علمه كل شيء وأحاط به.
المناسبة :
بعد أن ذكر الله تعالى مخالفة عبادة العجل لأبسط مبادئ العقل ؛ لأنه لا يجيب سائله ولا يدفع عنه ضرا ولا يجلب له نفعا ، ذكر أن بني إسرائيل أيضا عصوا الرسول الذي نبههم إلى خطأ فعلهم ، ثم أوضح معاتبة موسى لأخيه هارون على سكوته على بني إسرائيل في عبادتهم العجل ، ثم أردف به مناقشة موسى للسامري وعقابه من الله في الدنيا والآخرة ، وإلقاء موسى العجل في البحر ، وإعلان موسى صراحة : من هو الإله الحق ، وهو الذي وسع علمه السموات والأرض ، لا الجماد الذي لا يضر ولا ينفع.