(خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) أي مقيمين ساكنين فيها على الدوام ، لا يختارون عنها غيرها ، ولا يحبون سواها ، ولا يريدون تحولا عنها. أخرج أحمد والترمذي عن عبادة بن الصامت أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إن في الجنة مائة درجة ، كل درجة منها ما بين السماء والأرض ، والفردوس أعلاها درجة ، ومن فوقها يكون العرش ، ومنه تفجر أنهار الجنة الأربعة ، فإذا سألتم الله ، فاسألوه الفردوس».
ثم يخبر الله تعالى عن عظمة شأن القرآن وسعة علم الله ، فيقول :
(قُلْ : لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي ، لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي ، وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) أي قل أيها الرسول لهم : لو كتبت كلمات علم الله وحكمته ، وكان ماء البحر حبرا للقلم الذي يكتب به ، والقلم يكتب ، لنفد البحر قبل أن يفرغ من كتابة ذلك ، ولو جيء بمثل البحر آخر وآخر وهكذا لنفد أيضا ، ولم تنفد كلمات الله. وهذا دليل على كثرة كلمات الله ، وسعة علم الله وحكمته وأسراره ، بحيث لا تضبطها الأقلام والكتب.
ونظير الآية قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ، ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [لقمان ٣١ / ٢٧].
وقال الربيع بن أنس : إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحور كلها ، وقد أنزل الله ذلك : (قُلْ : لَوْ كانَ الْبَحْرُ ...) الآية ، يقول : لو كانت تلك البحور مدادا لكلمات الله ، والشجر كله أقلام ، لانكسرت الأقلام ، وفني ماء البحر ، وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شيء ؛ لأن أحدا لا يستطيع أن يقدر قدره ، ولا يثني عليه كما ينبغي ، حتى يكون هو الذي يثني على نفسه ، إن ربنا كما يقول ، وفوق ما نقول ، إن مثل نعيم الدنيا أولها وآخرها في نعيم الآخرة كجنة من خردل في خلال الأرض كلها.