علم (اسم) أو وصف ؛ لأنه كما قال الرازي : لا يجوز من الله تعالى أن يودع كتابه ما لا تدل عليه اللغة ، لا بالحقيقة ولا بالمجاز ؛ لأنا إن جوزنا ذلك فتح علينا قول من يزعم أن لكل ظاهر باطنا ، واللغة لا تدل على ما ذكروه ، فإنه ليست دلالة الكاف أولى من دلالته على الكريم أو الكبير أو على اسم آخر من أسماء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أو الملائكة أو الجنة أو النار ، فيكون حمله على بعضها دون البعض تحكما لا تدل عليه اللغة أصلا (١).
(ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا. إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) أي هذا المتلو ذكر رحمة ربك الذي نقصه عليك عبده زكريا ، الذي كان نبيا عظيما من أنبياء بني إسرائيل ، وزوجته خالة عيسى عليهالسلام ، وأنه ـ كما في صحيح البخاري ـ كان نجارا يأكل من عمل يده في النجارة ، حين دعا ربّه دعاء خفيّا مستترا ، إخلاصا وبعدا عن الرياء ، ولئلا ينسب في طلب الولد ـ وهو عجوز كبير ـ إلى الرعونة ، ويكون محل اللوم والتهكم من قومه.
والمراد بذكر الرحمة : بلوغها وإصابتها وإجابة الله دعاء زكريا وهو : (قالَ : رَبِّ ، إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ، وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ، وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ، وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) أي قال زكريا : يا ربّ ، لقد صرت فاتر العظام ، ضعيف القوى ، هرما كثير الشيب جدا ، ولم أعهد منك إلا إجابة الدعاء ، ولم تردّني قط فيما سألتك ، فما كنت خائبا ، بل كلما دعوتك استجبت لي ، وإني خفت أقاربي العصبات من بني العم ونحوهم إهمال أمر الدين وتضييعه بعد موتي ، فطلبت ولدا نبيا من بعدي يحرس بنبوته شأن الدين والوحي ، وكانت امرأتي (وهي أخت حمنة أم مريم) عاقرا لا تلد. واسم امرأته : إيشاع بنت فاقوذا بن قبيل ، أخت حمنة بنت فاقوذا ، وعلى هذا يكون يحيى ابن خالة عيسى عليهماالسلام على الحقيقة.
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢١ / ١٧٩.