(قالَ : كَذلِكَ ، قالَ رَبُّكَ : هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ، وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) أي قال الله تعالى من جهة الملك مجيبا زكريا عما تعجب منه : الأمر كما قلت ، سنهب لك ولدا بالرغم من العقم والهرم ، هو علي سهل ميسور ، إذا أردت شيئا قلت له : كن فيكون ، وقد خلقتك ابتداء وأوجدتك من العدم المحض ، ولم تك شيئا قبل ذلك ، فإيجاد الولد بطريق التوالد المعتاد أهون من ذلك وأسهل منه.
وهذا دليل على القدرة الإلهية الفائقة ، فإنه تعالى يسهل عليه كل شيء ، وقد قرر هنا أن الأمر سهل يسير عليه ، وذكر ما هو أعجب مما سأل عنه زكريا ، بحسب تقدير الناس ، والحقيقة أن الأمرين على قدرة الله سواء ، فسيان خلق الإنسان من العدم أو من طريق التوالد ، ومن قدر على خلق الذات ، فهو قادر على تبديل الصفات ، فيعيد الله إليه وإلى زوجته القدرة على الإنجاب ، كما قال : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ ، وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى ، وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) [الأنبياء ٢١ / ٩٠].
ثم أخبر الله تعالى عن طلب آخر لزكريا هو تعرف وقت طلوع المبشر به ، فقال :
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) أي قال زكريا : يا رب اجعل لي علامة ودليلا على وقت وجود الأمر المبشر به وهو حمل امرأتي ، لتستقر نفسي ، ويطمئن قلبي بما وعدتني ، إذ الحمل خفي في مبدئه ، ولا سيما ممن انقطع حيضها في الكبر.
فأجابه الله مرة أخرى إلى مطلبه قائلا :
(قالَ : آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) أي قال الله بواسطة الملك : علامتك على وقوع المسؤول وحصول البشرى من الله سبحانه بحمل امرأتك بابنها يحيى أن يعتقل لسانك ، ويحبس عن الكلام ، فلا تقدر على تكليم الناس ومحاورتهم مدة ثلاث ليال ، وأنت صحيح سوي الخلق ، ليس بك آفة أو مرض أو علة تمنعك من الكلام.