تعالى خلق أبا البشر من غير أب ولا أم ، فهل سيكون هذا الولد مخلوقا بخلق الله ابتداء كآدم ، أم عن طريق زوج تتزوجه في المستقبل؟
فأجابها بقوله :
(قالَ : كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ : هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ، وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ، وَرَحْمَةً مِنَّا ، وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) أي فقال لها الملك مجيبا لها عما سألت : إن الله قد قال : إنه سيوجد منك غلاما ، وإن لم يكن لك زوج (بعل) ولا من طريق الفاحشة ، فإنه على ما يشاء قادر ، وليجعل خلقه برهانا للناس على قدرة بارئهم وخالقهم الذي نوّع في خلقهم ، فخلق أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق عيسى من أنثى فقط ، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى.
ويجعل هذا الغلام أيضا رحمة من الله لعباده ، يبعثه نبيا من الأنبياء ، يدعو إلى عبادة الله تعالى وتوحيده ، وكان هذا الأمر مقدرا قد قدره الله في سابق علمه ، وجف به القلم ، فلا يغير ولا يبدّل.
ونظير آخر الآية : (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ ، إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران ٣ / ٤٧] ونظير القسم السابق له وهو : (وَرَحْمَةً مِنَّا) قوله سبحانه : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ : يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران ٣ / ٤٥ ـ ٤٦].
ونظير قوله : (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) قوله سبحانه : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها ، فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [التحريم ٦٦ / ١٢].
وحدث مراد الله تعالى :