وهذا كله يدل على أن تمني العودة إلى الدنيا يحدث حال المعاينة للعذاب عند الاحتضار ، وحين النشور ، وحين الحساب ، وحين العرض على النار ، وبعد دخولهم النار.
وليس سؤال الرجعة مختصا بالكافر ، وإنما يشمل ذلك المؤمن المقصر في الطاعات وأداء حقوق الله تعالى ، كما جاء في قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ، فَيَقُولَ : رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ، فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون ٦٣ / ١٠].
(كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ، وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي يجيبهم الله تعالى بقوله : كلا وهي كلمة ردع وزجر ، أي لا نجيبه إلى طلبه ، وتلك كلمة لا بدّ من أن يقولها لا محالة كل محتضر ظالم ، ولا فائدة من الرجعة ، فلو ردّ لما عمل صالحا ، وكذب في مقالته هذه كما قال تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ، وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [الأنعام ٦ / ٢٨]. ثم إنه بين الظلمة حال الاحتضار وبين الرجوع إلى الدنيا وأمامهم حاجز ومانع من الرجوع. فالبرزخ : الحاجز ما بين الدنيا والآخرة ، فمن مات دخل في البرزخ ، أو حياة المقابر. وهذا تهديد بعذاب البرزخ ، وتيئيس إلى يوم القيامة لهؤلاء المحتضرين من الظلمة من الرجوع أبدا ؛ لأنهم إذا لم يرجعوا حال وجود بقية من الحياة فلا يرجعون بعدئذ مطلقا ، وإنما الرجوع إلى حياة الآخرة ، وتلقي عذابها كما قال تعالى : (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) [الجاثية ٤٥ / ١٠] وقال سبحانه : (وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) [إبراهيم ١٤ / ١٧].
والخلاصة : أن المراد من قوله : (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أن العذاب يستمر بهؤلاء إلى يوم البعث ، كما جاء في الحديث : «فلا يزال معذبا فيها» أي في الأرض وهم في القبور.