طريق المجاز. وأصل النور : ما به الإضاءة الحسية التي بها تبصر العين ، ويطلق شرعا على ما به الاهتداء والإدراك ، فأهل السموات والأرض أي العالم كله يهتدون بنوره. (مَثَلُ نُورِهِ) أي صفة نوره العجيبة الشأن في قلب المؤمن (كَمِشْكاةٍ) أي كوّة أو طاقة مسدودة غير نافذة من الخلف. (مِصْباحٌ) سراج. (زُجاجَةٍ) قنديل. (كَأَنَّها) أي الزجاجة والنور فيها (كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) نجم مضيء. والدري : منسوب إلى الدر اللؤلؤ ، أو من الدرء : أي الدفع لدفعه الظلام بسبب تلألئه. (مِنْ شَجَرَةٍ) أي من زيت. (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) أي لا شرقية فقط تقع عليها الشمس أحيانا ، ولا غربية فقط تتعرض للشمس أحيانا أخرى ، وإنما هي موقع وسط تقع عليها الشمس طول النهار ، وتتعرض للهواء المعتدل دون حرّ أو برد ، فتكون ثمرتها أنضج وأطيب ، وزينها أجود الزيوت وأصفاها.
(يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) أي يكاد يضيء بنفسه من غير نار لصفائه وتلألئه وفرط وبيصه. (نُورٌ عَلى نُورٍ) نور متضاعف ، فإن نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت ، فهو نور فوق نور ، اجتمع فيه نور السراج (المصباح) وبهاء الزجاجة ، وصفاء الزيت ، فاكتمل الإشعاع. ومعنى تشبيه نور الله بنور هذا المصباح لتقريب الأمر إلى الأذهان : هو تمثيل الهدى الذي دلت عليه الآيات المبينات في جلاء مدلولها ، وظهور مضمونها بالمشكاة المنعوتة بالأوصاف المذكورة. أو تمثيل لما نور الله به قلب المؤمن من المعارف والعلوم بنور المشكاة المنبث من مصباحها. (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) أي يهدي الله لهذا النور الثاقب وهو دلالة الآيات أو دين الإسلام أو إيمان المؤمن من يشاء من عباده. (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) يبين الله الأمثلة للناس ، تقريبا لأفهامهم ، وتصويرا للمعقول بالمحسوس توضيحا وبيانا ، ليعتبروا فيؤمنوا. (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) معقولا كان أو محسوسا ، ظاهرا كان أو خفيا ، وفيه وعد ووعيد ، لمن تدبرها ، ولمن لم يكترث بها.
المناسبة.
بعد بيان الشرائع والأحكام الجزئية العملية (أحكام الفقه) والأخلاق والآداب (علم الأخلاق) انتقل البيان الرباني إلى دائرة العقيدة والإيمان وهي الإلهيات ، فذكر الله تعالى مثلين:
أحدهما :
بيان أن دلائل الإيمان في غاية الظهور ، فتنوير العالم كله بالآيات الكونية والآيات المنزلة على رسوله دليل واضح قاطع على وجود الله تعالى ووحدانيته