المناسبة :
سبق إيراد قصة عيسى وأمه مفصلة في سورتي آل عمران ومريم ، ووردت هنا بإيجاز يقتضيه المقام ، وهو الاستدلال على عظيم قدرة الله تعالى على ما يشاء ، فإنه خلق آدم من غير أب ولا أم ، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر ، وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى ، وانتهى بذلك عصر المعجزات لانتهاء النبوة.
التفسير والبيان :
وجعلنا عيسى وأمه آية للناس دالة على قدرتنا ؛ إذ خلقناه من غير أب. وقد جعلهما الله تعالى آية واحدة وهي ولادتها إياه من غير رجل ، لاشتراكهما في هذا الأمر العجيب الخارق للعادة. وهو دليل على القدرة الإلهية القادرة على كل شيء ، كقوله تعالى : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء ٢١ / ٩١].
وجعلنا مأواهما في مكان مرتفع من الأرض ، صالح لاستقرار السكان ، ذي ثمار وزروع وخصب ، وماء جار ظاهر للعيون لا ينضب ، وهو ـ كما قال قتادة ـ بيت المقدس ، وهو الظاهر ، وقيل : هو الرملة من فلسطين ، كما روي عن أبي هريرة ، وقال مقاتل والضحاك : هي غوطة دمشق ؛ إذ هي ذات الثمار والمياه.
قال ابن كثير : وأقرب الأقوال في ذلك : ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) قال : المعين : الماء الجاري ، وهو النهر الذي قال الله تعالى عنه : (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) [مريم ١٩ / ٢٤] وكذا قال قتادة والضحاك : إلى ربوة ذات قرار ومعين : هو بيت المقدس ، فهذا ـ والله أعلم ـ هو الأظهر ؛ لأنه المذكور في الآية الأخرى ، والقرآن يفسر بعضه بعضا ، وهذا أولى ما يفسر به ، ثم الأحاديث الصحيحة ، ثم الآثار (١)
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ٢٤٦