فقه الحياة أو الأحكام :
تضمنت الآيات مثلين لأعمال الكفار فهي إما كسراب خادع في فلاة أو صحراء ، وإما كظلمات ، والمثل الأول كما اختار الرازي دال على خيبة الكافر في الآخرة ، والثاني دال على كون أعمالهم في متاهات وضلالات وظلمات يصعب اختراقها وتجاوزها ، لكون قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم في ظلمة حالكة ، يتخبط فيها ، فلا يدري ما هو الصواب ، وهو أيضا جاهل لا يدري أنه لا يدري.
ويستفاد من الآيات أن شرع الله ونظامه هو النور الصحيح المرشد لخيري الدنيا والآخرة ، وأما التشريع المخالف لشرع الله فهو كالسراب الخادع ، والظلمات المتراكمة. وهذا كله في مجال العقيدة. أما في مجال التحضر الدنيوي فقد يكون الكافر مبدعا فيها ، متفوقا في إدراك غوامض الحياة ، مبتكرا وسائل التقدم والمدينة ، ولكنه عن الآخرة والنجاة فيها غافل جاهل.
قال ابن عباس في قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) أي من لم يجعل الله له دينا فماله من دين ، ومن لم يجعل الله له نورا يمشي به يوم القيامة ، لم يهتد إلى الجنة ؛ كقوله تعالى : (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) [الحديد ٥٧ / ٢٨].
والسبب في إحباط أعمال الكافر وإهدارها : أنها لا تعتمد على أصل صحيح وهو الإيمان بالله تعالى ، والله لا يقبل عملا إلا من مؤمن معترف بالله وبصفاته ، موحد له توحيدا تاما كاملا لتصح نية عمله.
والخلاصة : أن المثلين المذكورين في الآيتين هما تحذير وتنبيه للكفار ، فمن عقل كلام الله وتدبر فيه ، صحح اعتقاده ، فيصلح له عمله ويستقيم في الدنيا ، ومن ظل مصرا على كفره ، معرضا عن التأمل في آيات ربه ، لقي جزاء عسيرا ، وعقابا أليما ، ولم ينفعه أي عمل صالح ، ينجّيه من عذاب الله يوم القيامة.