(أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) أي أولئك الذين يبادرون في الطاعات لئلا تفوتهم ، ويتعجلون في الدنيا وجوه النفع والإكرام ؛ كما قال تعالى : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) [آل عمران ٣ / ١٤٨] ، وقال : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا ، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [العنكبوت ٢٩ / ٢٧] ، وهم لأجل الطاعات سابقون الناس إلى الثواب ، وينالون الثمرة في الدنيا قبل الآخرة ، لا أولئك الكفار الذين أمددناهم بالمال والبنين ، فظنوا خطأ أن ذلك إكرام لهم.
والخلاصة : أن السعادة ليست هي سعادة الدنيا ، وإنما سعادة الآخرة بالعمل الطيب ، وإيتاء الصدقات ، مع الخوف والخشية.
وبعد بيان كيفية أعمال المؤمنين المخلصين ، ذكر الله تعالى حكمين من أحكام أعمال العباد :
الأول ـ (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي إن منهاج شرعنا ألا نكلف نفسا إلا قدر طاقتها ، وهذا إخبار عن عدله في شرعه ، ورحمته بالعباد ، وهو أيضا يريد به التحريض على ما وصف به الصالحين وتسهيله على النفوس.
والثاني ـ (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِ) أي ولدينا كتاب الأعمال أو صحائف الأعمال ، وقيل : اللوح المحفوظ ، يبين بدقة وصدق لا يخالف الواقع أعمال الناس في الدنيا ، كما قال تعالى : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية ٤٥ / ٢٩] ، وقال سبحانه : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [الكهف ١٨ / ٤٩] ، فالأظهر أن المراد بالكتاب كتاب إحصاء الأعمال.
ثم بيّن الله تعالى فضله على عباده في الحساب بعد بيان يسر التكليف فقال : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي وهم لا يبخسون في الجزاء من الخير شيئا ، بل يثابون على