فلم يعجبه الجواب والتفت إلى خاصته ورؤساء دولته قائلا لهم على سبيل التهكم والاستهزاء والتكذيب لموسى فيما قاله :
(قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ : أَلا تَسْتَمِعُونَ) أي قال فرعون لحاشيته : ألا تعجبون من قوله وزعمه أن لكم إلها غيري ، وأ لا تستمعون لتخريفه وتهربه من الجواب؟ أسأله عن حقيقة رب العالمين ، فيذكر أفعاله وآثاره.
فذكر موسى جوابا آخر أخص مما ذكر وأدل على المراد ، لأنه واقع حسي مشاهد لهم :
(قالَ : رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) أي إنه تعالى خالقكم وخالق آبائكم المتقدمين الذين كانوا قبل فرعون وزمانه ، والمقصود أن التغير من وجود إلى عدم وبالعكس دليل الحدوث ، فأنتم محدثون ، كنتم بعد العدم ، وآباؤكم ماتوا بعد أن كانوا موجودين ، وأنتم مثلهم على الطريق ، أما الإله الواجب لذاته فهو الباقي الذي لا يطرأ عليه الفناء ، ولا أول لوجوده ولا آخر ، فهو إذن الإله.
فلما حار فرعون ولم يجد جوابا مقنعا ، لجأ إلى عقلية الصبية والاتهام الرخيص :
(قالَ : إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) أي قال فرعون لقومه : إن رسولكم ليس له عقل ، لا يفهم السؤال ، فضلا عن أن يجيب عنه ، وهو يخلط في كلامه ، ويدعي أن هناك إلها غيري.
فعدل موسى إلى طريق ثالث أوضح من الجواب الثاني فقال :
(قالَ : رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) أي قال موسى : إنه الله تعالى رب طلوع الشمس وظهور النهار ، ورب غروب الشمس وزوال النهار ، وهو الذي جعل المشرق مشرقا تطلع منه الكواكب ، والمغرب مغربا