ثم استشارتهم في شأن الرد على الكتاب ، وهذا من الحكمة والديمقراطية ونبذ الاستبداد : (قالَتْ : يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ، أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ، ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) أي قالت بلقيس : يا أشراف القوم ، أشيروا عليّ في شأن هذا الكتاب الذي أرسل إلي من نبي الله سليمان عليهالسلام ، ما كنت مبرمة أمرا ولا قاضية في شأن حاسم حتى يكون بحضوركم ومشاورتكم فيه.
وهذا دال على حسن سياستها ورشادها وحكمتها ، فإنها استعطفتهم ليعينوها على اتخاذ الرأي الأفضل والأخلص والأصوب ، فأجابوها بإظهار الاستعداد للقتال والحرب والدفاع عن المملكة :
(قالُوا : نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ ، وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) أي قال أشراف القوم : نحن أصحاب قوة جسدية وعددية ، وذوو نجدة وشجاعة وشدة وثبات في الحروب. ثم فوضوا إليها أمر إعلان الحرب ، قائلين : نحن على أتم الاستعداد من جانبنا للحرب ، وبعد هذا فالأمر إليك ، مري فينا رأيك نمتثله ونطيعه ، ولا يمكن ذكر جواب أحسن من هذا ، ففيه إظهار القوة الذاتية والعرضية ، وإظهار الطاعة لها إن أرادت السلم والمصالحة.
فناقشتهم في ذلك ، لعلمها بقوة سليمان وجنوده وجيوشه ، وما سخر له من الجن والإنس والطير ، فآثرت السلم على الحرب ، وقالت : إني أخشى أن نحاربه ، فيتغلب علينا ، ويصيبنا جميعا الهلاك والدمار. فمالت إلى المصالحة ، وتبين أنها أحزم رأيا منهم ، وأعلم بأمر سليمان ، ولهذا حكت لهم ما يفعله الملوك الأشداء :
(قالَتْ : إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها ، وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً ، وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) أي قالت بلقيس لهم حين أظهروا استعدادهم لقتال سليمان : إن الملوك إذا دخلوا بلدا عنوة ، خرّبوه وأتلفوا الديار والأموال ، وأذلوا أعزة