(لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ) للمتقين في جنة الخلد ما يشتهون من الملاذ في الأكل والشرب والملبس والمسكن والمركب والمنظر ، وغير ذلك مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وهم في النعيم خالدون أبدا دائما ، بلا انقطاع ولا زوال ، ولا يبغون عنها حولا.
وهذا دليل على تحقيق جميع الرغبات ، ووعد من الله الذي تفضل به عليهم ، وأحسن به إليهم ، لهذا قال : (كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً) أي لا بد أن يقع ، وأن يكون وعدا واجبا ، وموعودا به ، جديرا بأن يسأل ويطلب ، وينجز ، كما قال تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ ، وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ ، إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) [آل عمران ٣ / ١٩٤] وقال سبحانه : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النَّارِ) [البقرة ٢ / ٢٠١].
فقه الحياة أو الأحكام :
يفهم من الآيات ما يأتي :
١ ـ إن منشأ إنكار المشركين لوحدانية الله ، وتكذيبهم برسالة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وطعنهم بالقرآن وبالنبوة ، هو إنكار يوم القيامة وعدم الإيمان باليوم الآخر : لأن من آمن به تبصر وتدبر ، ولم يكن متهورا في سوء الاعتقاد.
٢ ـ دل قوله تعالى : (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) على أن النار مخلوقة الآن وموجودة ، كما أن الجنة مخلوقة وموجودة لقوله تعالى : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران ٣ / ١٣٣]. والسعير : النار الشديدة الاستعار.
٣ ـ وصف الله تعالى النار بصفتين : الأولى ـ شدة الاستعار والالتهاب ، يرى لها تغيظ ، ويسمع لها زفير من مكان بعيد. والثانية ـ إذا ألقي فيها المعذّبون تضيق عليهم ، وتشتد في المضايقة ؛ لأن جو العذاب مضايق.