لقوله تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) [هود ١١ / ٧] وكلمة (ثُمَ) ما دخلت على خلق العرش ، بل على رفعه على السموات.
٦ ـ استبد العناد والاستكبار بالمشركين أنه إذا طلب منهم السجود للرحمن ، قالوا على جهة الإنكار والتعجب : وما الرحمن؟ أي ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة ، يعنون : مسيلمة الكذاب ، أنسجد لما تأمرنا أنت يا محمد؟ وزادهم هذا الأمر نفورا عن الدين ، ومن شأنه حملهم على الفعل والقبول. كان سفيان الثوري يقول في هذه الآية : إلهي زادني لك خضوعا ما زاد عداك نفورا.
٧ ـ من أدلة قدرة الله تعالى ووحدانيته : جعله في السماء بروجا ، أي منازل للكواكب العظام كالزّهرة والمشتري وزحل والسماكين ونحوها ، وجعله فيها الشمس ضياء والقمر نورا ينير الأرض إذا طلع ، وجعله الليل والنهار في تعاقب دائم في الضياء والظلام والزيادة والنقصان ، لا عبثا وإنما ليتذكر المقصر تقصيره والمسيء إساءته ، فيصلح ما بدر منه ، ويشكر الله تعالى على نعمه عليه في العقل والفكر والفهم. قال عمر بن الخطاب وابن عباس والحسن : معناه من فاته شيء من الخير بالليل أدركه بالنهار ، ومن فاته بالنهار أدركه بالليل.
ففي الليل دعة وسكون وهدوء يستدعي التذكر ، وفي النهار حركة وتصرف وانشغال قد يشغل عن التذكر ، أو يكون سببا لتذكر ما مر من الليل بالنوم ، فيستدرك المؤمن ما فاته في أحدهما من الخير في وقت الآخر ، فهما وقتان للمتذكرين والشاكرين ، والله يتقبل عمل الليل وعمل النهار ، فهو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.
ثم إن سكون الليل والتصرف بالنهار نعمة تستحق الشكر ، كما قال تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [القصص ٢٨ / ٧٣].