ساطعة بالبرهان في القرآن والفطرة والنفس والعقل وعالم الشهادة والحس ، فإذا لم يؤمنوا في وقت قريب قبل مجيء الموت والقيامة ، فلا ينفعهم إيمان حينئذ بعد انتهاء العمر وزوال الدنيا التي هي دار العمل والتكليف.
ثم أمر الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم بالثبات على ما هو عليه والاستغفار ، فقال :
(فَاعْلَمْ)(١)(أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ ، وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) أي إذا علمت أيها النّبي حال الفريقين : المؤمن والكافر ، من السعادة والشقاوة ومجيء علامات القيامة وأشراطها فاثبت واستمر على ما أنت عليه من التوحيد ومراقبة النفس ، واعلم أنه لا إله غير الله ولا ربّ سواه ، وأن البعث حقّ آت لا ريب فيه ، واستغفر مما قد يصدر منك مما هو خلاف الأولى ، واستغفر أيضا لذنوب أتباعك وأمتك ، بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات بالمغفرة عما فرط من ذنوبهم. والله يعلم أعمالكم وتصرفكم في أشغالكم نهارا ، ومستقركم ليلا ، وقيل : أو مأواكم في الدار الآخرة ، قال ابن كثير : والأول أولى وأظهر ، وفي هذا ترغيب بالعمل وترهيب من المخالفة.
وذلك كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) [الأنعام ٦ / ٦٠] ، وقوله سبحانه : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها ، وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها ، كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [هود ١١ / ٦].
وكان من دعاء النّبي صلىاللهعليهوسلم عملا بالأمر الإلهي بالاستغفار والدعاء : ما ورد في صحيح البخاري ومسلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يقول : «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي هزلي وجدّي ، وخطئي وعمدي ، وكل ذلك عندي».
__________________
(١) الفاء في هذه الآية وما تقدمها لعطف جملة على جملة بينهما اتصال.