وهذا حث لهم على التدبر وترك العصبية والجدال ، فالله يعلم أنهم إن ولوا أمور الناس ، أو أعرضوا عن هذا الدين ، لم يصدر عنهم إلا القتل والنهب وسائر أنواع المفاسد ، كعادة أهل الجاهلية.
لذا حكم الله عليهم باللعنة ، فقال :
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ ، فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) أي أولئك الظالمون وسفاكو الدماء بغير حق هم الذين أبعدهم الله من رحمته وطردهم عنها ، فأصمهم في الدنيا عن استماع الحق ، وأعمى أبصارهم عن رؤية الحق والنظر في أدلة الكون الدالة على عدالة نظام الله تعالى وشرعه في عباده من تحريم الدماء والأموال بغير حق. وإنما لم يقل : «أصم آذانهم» لأن السمع لا يتفاوت بوجود الأذن وعدمها ، ولذلك يسمع مقطوع الأذن ، أما الرؤية فتتعلق بالبصر نفسه ، فذكر الأبصار ، ولم يذكر الأذن.
وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموما ، وعن قطع الأرحام خصوصا ، وأمر بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام ، وهو الإحسان إلى الأقارب.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضياللهعنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : وخلق الله تعالى الخلق ، فلما فرغ منه ، قامت الرحم ، فأخذت بحقوي (١) الرحمن عزوجل ، فقال : مه ، فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، فقال تعالى : ألا ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك؟ قالت : بلى ، قال : فذاك لك» قال أبو هريرة رضياللهعنه : اقرؤوا إن شئتم : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ، وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ).
__________________
(١) الحقو : الإزار أو الخصر ، والمراد هنا مجاز عن شدة التعلق واللجوء إلى الله والاستعانة.