(طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) أي طاعة مخلصة لله وقول معروف أحسن وأمثل وخير لهم من غيرهما.
(فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ ، فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أي فإذا جدّ الحال ، وفرض القتال ، فلو صدقوا في ذلك القول وفي القتال ، وأطاعوا الله تعالى ، وأخلصوا له النية ، لكان إظهار الإيمان والطاعة خيرا لهم من المعصية والمخالفة.
ثم وبّخهم الله تعالى ، وردّ على شبهتهم في أن القتل إفساد وأن العرب من ذوي أرحامنا وقبائلنا ، فقال :
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ، وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) أي فلعلكم إن توليتم عن الطاعة والجهاد ، وأعرضتم عن القتال وتنفيذ أحكامه ، أو فهل يتوقع منكم إن توليتم أمر الأمة أن تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية ، فتسفكوا الدماء ، وتفسدوا في الأرض بالبغي والظلم والنهب والسلب والمعاصي ، وتقطعوا أرحامكم بالقتل والعقوق ووأد البنات وسائر مفاسد الجاهلية. قال قتادة وغيره : معنى الآية : فلعلكم أو يخاف عليكم إن أعرضتم عن الإيمان أن تعودوا إلى الفساد في الأرض ولسفك الدماء.
قال أبو حيان : والأظهر أن ذلك خطاب للمنافقين في أمر القتال ، وهو الذي سبقت الآيات فيه ، أي إن أعرضتم عن امتثال أمر الله تعالى في القتال ، هل ينتظر منكم إلا أن تفسدوا في الأرض بعدم معونة أهل الإسلام ، فإذا لم تعينوهم قطعتم ما بينكم وبينهم من صلة الرحم ، ويدل على ذلك : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) فالآيات كلها في المنافقين. وهذا التوقع الذي في «عسى» ليس منسوبا إليه تعالى ، لأنه عالم بما كان وما يكون ، وإنما هو بالنسبة لمن عرف المنافقين كأنه يقول لهم : لنا علم ، من حيث ضياعهم ، هل يتوقع منكم إذا أعرضتم عن القتال أن يكون كذا وكذا (١).
__________________
(١) البحر المحيط : ٨ / ٨٢