التفسير والبيان :
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا : لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ، فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ ، رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ، فَأَوْلى لَهُمْ) أي يتمنى المؤمنون المخلصون شرعية الجهاد ، فيسألون ربهم عزوجل قائلين : هلا أنزلت سورة يأمرنا فيها ربنا بقتال الكفار ، حرصا على ثواب الجهاد ، ونيل درجات المجاهدين ، فإذا أنزلت سورة بيّنة واضحة في الأمر به ، وذكر فيها أن الجهاد فرض على المسلمين ، فرحوا بها ، وشق على المنافقين ، ورأيت الذين في قلوبهم شك ومرض ونفاق وهم المنافقون ، ينظرون إليك نظر المحتضر الذي شخص بصره عند الموت ، جبنا عن القتال ، وخوفا من لقاء الكفار ، فالويل والموت والهلاك أولى لهم أي قاربهم ما يهلكهم ، واللام في «لهم» مزيدة ، أو فالأولى والأجدر بهم أن يسمعوا ويطيعوا في الحالة الراهنة ، أو العقاب أحق وأولى بهم.
وهذا على المعنى الأول تهديد لهم ووعيد بقرب هلاكهم ، وقوله : (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) تصوير رائع لحالة الجبن والفزع والخوف في نفوسهم من لقاء الأعداء. وفي الآية افتضاح أمر المنافقين عند الأمر بالقتال ، أما قبل القتال فكانوا يترددون إلى الفئتين : فئة المؤمنين وفئة الكافرين.
ونظير الآية قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ : كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَآتُوا الزَّكاةَ ، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ ، إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ، وَقالُوا : رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ ، لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) [النساء ٤ / ٧٧].
وبعد هذا التهديد والوعيد ، قال الله تعالى مشجعا لهم :