الزاجرة والحجج الظاهرة والبراهين القاطعة؟ بل أعلى قلوبهم أقفال؟ فهم لا يفهمون ولا يعقلون شيئا من معانيه ، ولا تتفتح قلوبهم للحق ، وظاهر الآية أنها خطاب لجميع الكفار.
والآية توبيخ لهم ، وأمر بتدبر القرآن وتفهمه ، ونهي عن الإعراض عنه.
وقد وردت محققه لمعنى الآية المتقدمة ، فإنه تعالى قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) أي أبعدهم عنه أو عن الصدق أو عن الخير وغير ذلك من الأمور الحسنة ، (فَأَصَمَّهُمْ) لا يسمعون حقيقة الكلام ، وأعماهم لا يتبعون طريق الإسلام ، فهم كما حكى القرآن بين أمرين : إما ألا يتدبرون القرآن ، لأن الله أبعدهم عن الخير ، وإما أن يتدبروا لكن لا يدخل معانيه في قلوبهم ، لكونها مقفلة.
ثم أبان الله تعالى منشأ ذلك مشيرا إلى أهل الكتاب الذين تبين لهم الحق في التوراة بنعت محمد صلىاللهعليهوسلم وبعثته وارتدوا ، أو مشيرا إلى كل من ظهرت له الدلائل وسمعها ولم يؤمن ، فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ، الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ ، وَأَمْلى لَهُمْ) أي إن الذين فارقوا الإيمان ورجعوا إلى الكفر ، من بعد ما ظهر لهم الهدى بما جاءهم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المعجزات الظاهرة والدلائل الواضحة ، زين لهم الشيطان خطاياهم ، وسهّل لهم الوقوع فيها ، وحسّن لهم الكفر ، وخدعهم وغرهم بالأماني والآمال ، ووعدهم بطول العمر ومدّ الأجل.
وهذا الكلام : قيل : إنه في أهل الكتاب ، قال قتادة : نزلت في قوم من اليهود ، وكانوا عرفوا أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم من التوراة ، وتبين لهم بهذا الوجه ، فلما باشروا أمره ، حسدوه ، فارتدوا عن ذلك القدر من الهدى.
وقيل : إنه في المنافقين ، قال ابن عباس وغيره : نزلت في منافقين كانوا أسلموا ، ثم ماتت قلوبهم.