والظاهر ـ كما ذكر أبو حيان ـ أن الآية تتناول كل من دخل في لفظها.
ثم بيّن الله تعالى بعض مظاهر ضلالهم ، فقال :
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ : سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ، وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) أي ذلك الارتداد والكفر بعد الإيمان بسبب أن هؤلاء المنافقين وغيرهم من اليهود الذين ارتدوا على أدبارهم قالوا للذين أبغضوا ما نزّل الله في قرآنه ، وهم المشركون أو اليهود : يهود بني قريظة والنضير من يهود المدينة : سنطيعكم في بعض الأمور ، كعداوة النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومخالفة ما جاء به ، والقعود عن الجهاد معه ، أي إنهم مالئوهم وتآمروا معهم سرا أأو في الباطن ، وهذا شأن المنافقين يظهرون خلاف ما يبطنون.
لذا كشفهم الله وأبان أنه يعلم ما يسرون وما يخفون وما يعلنون ، كقوله تعالى : (وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) [النساء ٤ / ٨١].
ونظير الآية قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ : لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ، وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً ، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ ، وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [الحشر ٥٩ / ١١].
ثم ذكر الله تعالى سوء حالهم وما يتعرضون له من أهوال حين توفيهم ، فقال :
(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ ، يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ)؟ أي فكيف حالهم وكيف يعملون ويصنعون إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم ، واستخرجتها بالعنف والقهر وضرب وجوههم وظهورهم ، وذلك بكيفية يكرهونها وحال يخافونها في الدنيا ، ويجبنون عن القتال من أجلها ، كما قال سبحانه : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ..) [الأنفال ٨ / ٥٠] وقال عزوجل : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ ،