وقد بيّنت سابقا كيف تمّ الصلح الذي جاء في بعض رواياته : أنه لما همّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتال كفار قريش ، بعثوا سهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزّى ، ومكرز بن حفص ، ليسألوه أن يرجع في عامه ، على أن تخلي قريش مكة من العام القابل ثلاثة أيام ، فأجابهم ، وكتبوا بينهم كتابا ، على النحو المذكور آنفا.
التفسير والبيان :
(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) أي إن مشركي العرب من قريش وحلفائهم هم الكفار الجاحدون توحيد الله دون غيرهم ، وهم منعوكم أيها المسلمون من الطواف بالبيت الحرام ، وأنتم أحقّ به وأنتم أهله ، وصدّوا الهدي (ما يهدى إلى الحرم من الأنعام) محبوسا في مكانه عن بلوغ محلّه بغيا وعنادا ، وكان الهدي سبعين بدنة (ناقة) ومحلّه : منحره الذي يذبح فيه عادة ، وهو حيث يحلّ نحره من الحرم ، وهو منى أو الحرم المكي ، فرخّص الله سبحانه لهم بجعل ذلك الموضع الذي وصلوا إليه وهو الحديبية مكان الإحصار (المنع من دخول مكة) محلّا للنحر ، وكانوا خارج الحرم.
(وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ ، فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي ولو لا وجود المستضعفين من المؤمنين والمؤمنات بمكة ، الذين يكتمون إيمانهم ويخفونه خيفة على أنفسهم من قومهم ، لأذنّا لكم بالفتح ، ولما كففنا أيديكم عنهم ، ولكنّا سلّطناكم عليهم ، فقتلتموهم واستأصلتموهم ، ولكن يقع بينهم فريسة القتل أقوام من المؤمنين والمؤمنات لم تعرفوهم ولم تعلموا أنهم مؤمنون حالة القتل ، فتطؤوهم بالقتل ، فتصيبكم من جهتهم مشقة وتأسف ، وإثم وكفّارة على القتل الخطأ ، لوقوع القتل جهلا بغير علم منكم بهم ، وحينئذ يقول المشركون : إن المسلمين قد قتلوا أهل دينهم.